العنصرية مرض... السوريون إخوة الدم والوطن

العنصرية مرض... السوريون إخوة الدم والوطن

29 ديسمبر 2020
+ الخط -

 "ما بال دعوى الجاهلية" .. " دعوها فإنها منتنة".

 حين حدث شجار بين أنصاري ومهاجر، تنادى البعض: يا للأنصار، وتنادى آخرون: يا للمهاجرين، فذم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، وجعله من دعوى الجاهلية؛ لأن مقتضاه أن ينصر الأنصاري أخاه الأنصاري ولو كان مبطلا، وأن ينصر المهاجر أخاه المهاجر ولو كان مبطلا أيضا، وإنما شأن المؤمن أن يقف مع الحق، وأن ينصر المظلوم برفع الظلم عنه، وينصر الظالم بحجزه ومنعه عن الظلم، لا يفرق بين من كان من قومه أو من خارج قومه.

العنصرية مرض، والعنصري شخص مريض يحتاج لتشخيص وعلاج، فلقد انكسرت قلوبنا ونحن نراقب حرق مخيم اللاجئين السوريين في لبنان، على أيد وحوش بشرية تجردت من إنسانيتها، في لحظة خلاف ما، وإذ يرزح المواطن العربي تحت أنظمة مستبدة تنتهك حقوقه عشرات المرات في اليوم الواحد، وتنكل بكل أحلامه بالعيش الكريم، وتسحق كل معاني الإنسانية في التعامل اليومي معه، فإن هذا المواطن المظلوم ضحية الحكومات، يتحول في بعض البلدان لمجرم يقوم بالانتقام من ضحية أخرى، بدل مواجهة الدولة والسياسيين وصناع القرار الذين تسببوا في مآسيه.

 إن في لبنان 99 ألف مشكلة، وربما مليون، يعاني منها المواطن اللبناني قبل الأزمة السورية بعشرات السنين، ولا وجه صحة أبدا لمروجي الخطاب العنصري الذين يحاولون تحميل اللاجئين السوريين مسؤولية تدهور الوضع المعيشي في بلادهم، فمع حبي وتقديري لكل لبنان واللبنانيين، فهل كان لبنان قبل الثورة السورية سويسرا وتحول بعد اللجوء السوري إلى بلد فقير معدم؟

 إن الفساد والاستبداد والقوى السياسية اللبنانية المتصارعة على البلد وخيراته، والمافيا السياسية التي تحكمه من رئيسه المتمترس بالسلطة رغم طعنه في السن، للحريري الطامع في العودة لها، لحزب الله الوكيل الحصري لإيران، لباقي المرتهنين للخارج، هم المسؤولون عن تردي الوضع الاقتصادي والمعيشي والخدمي للبنان وقلبه بيروت عاصمة الجمال، تضاف إليهم دول عربية أخرى أحرقت لبنان، وتعمل يوميا على إحراقه في سياق المناكفات السياسية. إن اللبناني والسوري هم ضحايا، الأول ضحية للفساد والثاني ضحية للاستبداد وحكم الأقلية الطاغية في دمشق.

 بالمناسبة حتى اللحظة ونحن نكتب السطور لم ينجح سياسيو لبنان في التوافق على رئيس وزراء، وقبلها شغر منصب رئيس الجمهورية لسنة، السؤال والجدل ينبغي ألا يكونا عن اللاجئين السوريين بل ينبغي أن يتركز حول كيف يدار هذا البلد، وما هذا العبث السياسي الذي يتلاعب بمصائر مواطنيه.

مراجعة تاريخ الشعب السوري - وهنا أتحدث عن الشعب وليس النظام - تعطي لهؤلاء العنصريين المتنمرين دروسا في الكرم والوفاء وحسن الضيافة، فلقد استضاف السوريون الفلسطينيين، ولو سألت أي فلسطيني سيخبرك أنه لم يشعر يوما بأنه غريب في سورية، كما استضاف السوريون العراقيين بعد الاحتلال، ولم يجد العراقيون سوى دمشق مقصدا لهم، وإبان حرب تموز 2006 فتح السوريون أبوابهم للبنانيين، فمن العيب والعار على صناع القرار ولا أقول الشعب اللبناني لأنه شعب مضياف، أن يسمحوا لخطاب العنصرية والتنمر بالانتشار دون التصدي له، ومن العار على الدول العربية كلها أن تتحول أوروبا مقصدا للاجئين السوريين الذين جار عليهم نظامهم والزمن، وأن لا يجدوا في الجوار العربي بلدا يحتضنهم ويرحب بهم وهم إخوة الدوم واللغة والدين والنضال.

 إذا كنا أمة عربية واحدة، ونتنطح صباح مساء بوحدة العروبة والدين، فلماذا أصلا يتواجد اللبنانيون في مخيمات لجوء؟ أليست الدول العربية بلادهم، لماذا لا نحتضنهم في بيوتنا، لماذا لا نضغط على حكوماتنا من أجل توفير السكن الآمن والمعونة التي تكفيهم حتى انتهاء محنتهم، هل أوروبا أولى بهم أم إخوتهم العرب؟

ستنقضي الحرب، وسيرحل الطاغية وستزدهر دمشق من جديد، فهي كفلسطين، أم البدايات وأم النهايات.

C2A96DF8-EEBE-40B9-B295-1C93BEABA19C
محمد أمين
كاتب وإعلامي فلسطيني مقيم في لندن، أكمل الماجستير في الإعلام في جامعة برونل غرب لندن.عمل صحافياً ومنتجاً تلفزيونياً لعدد من البرامج التلفزيونية والأفلام الوثائقية لصالح عدد من القنوات العربية والأجنبية، يكتب حالياً في شؤون الشرق الأوسط ويختص في الشأن الفلسطيني.