العلاقات الأميركية – التركية.. مكانك راوح

العلاقات الأميركية – التركية.. مكانك راوح

28 ابريل 2021
+ الخط -

تتميز علاقة واشنطن بأنقرة بأنها علاقة ثنائية استراتيجية لها بعدان: إقليمي ودولي، حيث حرص البلدان خلال العقود الماضية على التعاون المشترك في قضايا مختلفة، أبرزها قضايا المنطقة لتحقيق مصالحهما الثنائية، ولكن في الوقت عينه واجها عدداً من الملفات الشائكة، وعلى رأسها الدعم الأميركي للمتمردين الأكراد، وعدم تسليم فتح الله غولن، والتطور المستمر في علاقات أنقرة بموسكو، بالإضافة إلى التحركات التركية في المنطقة، وأخيراً الاعتراف بالإبادة الأرمينية.

المرحلة الجوهرية

العلاقة المميزة والاستراتيجية بين الطرفين كانت خلال مرحلة الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأميركية و الاتحاد السوفييتي، حيث كانت تعتبرها أميركا المنصة العسكرية الأكثر أهمية في المنطقة لعدة أسباب، لكن أبرزها، موقعها الجغرافي، ما أعطى دوراً أكبر لتركيا في حلف شمال الأطلسي، حيث إنها ثاني أكبر جيش في المنظمة، وأتاح لأميركا توسيع الدعم العسكري من أجل تشكيل خط دفاع لمواجهة الخطر السوفييتي.

ركائز التعاون بين البلدين

لا يمكن تصور الصراع التام بين البلدين في ظل التوترات الأخيرة، وذلك لضرورة تركيا الجيو - ستراتيجية بالنسبة إلى الولايات المتحدة الأميركية. فخسارة واشنطن لأنقرة تعني زعزعة الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط. تركيا، في المقابل، بدون دعم الولايات المتحدة لن تتمكن من التمتع بامتيازات حلف الناتو.

تبنى بايدن عام 1987 عندما كان عضواً في مجلس الشيوخ الأميركي، تحركاً لإقرار قانون "تنفيذ اتفاقية الإبادة الجماعية"، الذي نص على جريمة الإبادة الجماعية في القانون الأميركي

فشراكة حلف الناتو أهم دعامة تقوم عليها تحالفات البلدين، وهي العضوية في الحلف ومساهمة تركيا الكبيرة فيه. فالجيش التركي ثاني أكبر جيش في حلف الناتو بعد الولايات المتحدة الأميركية، وثامن عضو يساهم في ميزانية الحلف.

في المقلب الآخر، أميركا بحاجة إلى الحليف التركي في منطقة الشرق الأوسط، للتخفيف من النفوذ الروسي و الإيراني، ولهذا منحت الولايات المتحدة الأميركية الضوء الأخضر للتحرك العسكري التركي في أذربيجان وليبيا، لإضعاف الوجود الروسي، كذلك عملت تركيا على تحقيق توازن للقوى المؤثرة في الداخل السوري. إضافة إلى تضارب المصالح بين تركيا وروسيا في دول البلقان، حيث كل منهما يعمل ضمن أجندته الخاصة.

علاقة متوترة

مع مرور الزمن جرت متغيرات مختلفة في الأولويات فيما بين البلدين، ما يؤدي إلى تباين وانحدار في مسار العلاقة بينهما، ولكن أبرز تلك المتغيرات، الاهتمام التركي بالأمن القومي التركي، وفي المقابل تطبيق أولويات أميركا من دون الأخذ بالاعتبار الهواجس التركية، ما يؤدي إلى مزيد من الاختلاف في ملفات المنطقة.

بعد أن شعرت تركيا بتغير الأولويات وعدم الحصول على الدعم  الاقتصادي اللازم من قبل حليفتها التاريخية، بدأت الهواجس التركية تزداد يوماً بعد يوم، ما أدى إلى تطبيق سياسات مزدوجة بين الحروب من جهة، واتفاقات اقتصادية وعسكرية حتى مع خصوم أميركا للحفاظ على وجودها وأخذ دور أكبر.

فأبرز أسباب التوتر، شراء تركيا منظومة اس-400 من روسيا، حيث تعتبره واشنطن تهديداً صريحاً لأنظمة دفاع حلف الناتو، وفي المقابل تعتبره أنقرة عملية شراء ضرورية بالنسبة إلى أجهزتها الدفاعية، نظراً لعدم تمكنها من الحصول على صفقات أسلحة بشروط مرضية ضمن حلف الناتو.

بالمقابل، هناك ملف استراتيجي لتركيا، وهو دعم أميركا سياسياً وعسكرياً لأكراد سورية، حيث تصنفهم تركيا بالمجموعات الإرهابية، وقد عبّرت الولايات المتحدة مرات عدة عن قلقها من التدخل التركي في شمال سورية. بعد فوز بايدن، عُيِّن بريت ماكجورك مندوباً للولايات المتحدة عن الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي، حيث يُعَدّ من المدافعين عن الأكراد.

الاعتراف بالإبادة الأرمنية ونتائجه

أميركا تعلم جيداً أن حلف الناتو ليس مهماً فقط لها، بل لتركيا أيضاً، وتتعامل مع تركيا بالقطعة، ولن توجد قطيعة بين البلدين سوى التمايز وكل طرف يضغط على الآخر من ضمن وضع أوراق قوته على الطاولة للضغط على الفريق الآخر كمحاولة لإرضاخ الآخر.

وهذا ما أدى إلى رفع الضغوط الأميركية من خلال اعتراف بايدن بالإبادة الأرمنية وبممارسة مزيد من الضغوطات الاقتصادية، وهذا ما رأته تركيا بعد انتخاب بايدن وأدى إلى إبداء مرونة في ملفات مختلفة في المنطقة وإعادة قنوات التواصل مع دول عربية وأوروبية، خصوصاً أن السياسة الأميركية الجديدة ستكون مرتكزة على تعزيز العلاقة مع الحلفاء.

في العودة إلى الاعتراف بالإبادة، فقد تبنى بايدن عام 1987 عندما كان عضواً في مجلس الشيوخ الأميركي، تحركاً لإقرار قانون "تنفيذ اتفاقية الإبادة الجماعية"، الذي نص على جريمة الإبادة الجماعية في القانون الأميركي، وخلال فترة ولايته كنائب للرئيس، حضر بايدن أيضاً ذكرى الإبادة.

ولكن في نهاية عام 2019، تبنى مجلسا النواب والشيوخ الأميركيان مشروعاً يصف أحداث عام 1915 بـ"الإبادة الجماعية"، لتكون المرة الأولى التي يتفق فيها المجلسان على هذه النقطة. وفي 24 نيسان 2021 اعترف الرئيس الأميركي جو بايدن بالإبادة، ما سيفتح باب النزاع بين البلدين ضمن خطوط محددة، وليس ضمن قطيعة شاملة، نظراً للأسباب التي ذكرناها سابقاً.