السوريون ورمضان جديد

03 مارس 2025
+ الخط -

تحاول ندى حجز بطاقة طائرة إلى دمشق، وعبثاً تتمكن من ذلك، فكل المقاعد على الطائرات المتجهة نحو سورية محجوزة. أصرّت والدتها على أن ترافق ندى عائلتها في أول إفطار في أول يوم من أيام شهر رمضان الذي يمنحه السوريون اليوم لقب رمضان الجديد بعد سقوط النظام.

تقيم ندى في فرنسا منذ ثلاثين عاماً، غالباً لا تصوم أيام رمضان كلها، لكن رمضان اليوم مختلف، يكتسب الصيام والفطور هذا العام معنى متألقاً ومبهراً وسعيداً خاصة مع العائلة. بالأمس أخبرت ندى أمها أنها لم تتمكن من حجز بطاقة طائرة تمكنها من مشاركة أهلها في عادات وطقوس الشهر الكريم، لكنها ستكون هناك بينهم قبل أول أيام عيد الفطر لتشاركهم الاحتفال بأول عيد بعد سقوط الطاغية.

أسعد الخبر الأم كثيراً وقالت إن العيد سيحمل نكهة إضافية هذا العام وجود ندى والعيد الأول بلا خوف أو تشريد أو قتل، يستدعي حديث ندى صوراً خزنتها أمها في ذاكرتها الموجوعة، موائد إفطار رتبت على عجل بأطعمة قليلة وموائد فقيرة لكنها قصفت مع أهلها، تتذكر الأم أصوات بكاء أمهات وزوجات وأطفال تم اقتحام بيوتهن وقت السحور لاعتقال الأبناء والأزواج والإخوة.

يمر رمضان هذا العام رغم فرحة النصر ثقيلاً على السوريين والسوريات، الوضع الاقتصادي متراجع بشدة وشبح الجوع يهيمن على البلاد، خاصة أن سوء الأحوال الاقتصادية والعجز الاقتصادي قد تملكا جسد سورية، البلد المفقرة نتيجة فساد طويل ونتيجة لسياسات اقتصادية همها إفراغ البلد من مقدراتها والاستيلاء حتى على قوت الشعب المسكين.

يكتسب شهر رمضان ميزة مختلفة عن باقي الأشهر، وعن ميزته الخاصة بصفته شهر الصوم، هو ليس شهراً للعبادة أو للصوم فقط، هو شهر اقتصادي بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ترتب السوريات تفاصيل موائد رمضان مسبقاً، عبر التجفيف أو تخزين العصير بزجاجات يتم حفظ العصائر مع السكر مسبقاً، وكذلك وجبات الطعام الأساسية ومرفقاتها الأساسية ولو بكميات صغيرة محضرة بالخصوص لهذا الشهر، مثل عبوة تحتوي حبات الفلفل الأخضر مكبوسة بماء الملح والخل، فلفل اشترته سيدة من (آخر السوق) كما يقولون بسعر قليل، والحقيقة أن كلمة آخر تعني ما تبقى من خضار لا يمكن إبقاؤها للغد لأنها ستتلف وسيخسر البائع قيمتها، تبدو حبات الفلفل ذابلة، وهي لا تصلح للأكل الطازج لكنها تتحول في السائل الملحي مع الخل إلى وجبة داعمة ونكهة محببة بدلاً من طبق السلطة الذي بات تأمينه مكلفاً وصعباً في ظل قلة الموارد المالية وتراجع القدرة الشرائية للسوريين خاصة بعد تسريح أعداد كبيرة منهم، وبعد خسارة المئات وربما الآلاف من العاملين في القطاع الخاص أو المهن الخاصة لعملهم جراء استنكاف الناس عن إجراء إصلاحات يمكن تأجيلها، أو جراء منح الأولوية للطعام والشراب اليومي في مقابل صرف هذه النقود على شراء قطعة ملابس أو وعاء جديد للطبخ مثلاً.

في شهر رمضان، تستضيف بعض الأسر كبارها كالأب والأم، حرصاً على تأمين وجبات داعمة لهم، واحتفالاً بحضورهم اللطيف والعاطفي، خاصة أنهم في سن لا يعينهم على الطبخ أو على تأمين مستلزمات إعداد وجبات منوعة ومتجددة، يمتزج هنا الطابع الاحتفالي بالحرص على حماية الأهل وتبادل المودة وإرساء المحبة تقليداً عائلياً متكاملاً يرسل رسالة أمان للأهل وللأبناء في وقت واحد، يقول السوريون أن الوجبة التي تطعم شخصين قادرة على إطعام ثلاثة في الوقت ذاته، هنا تتوفر وجبات الأهل والضيوف في شهر له طقوسه الجميلة والتكافلية لكنها مهما ضاقت بسبب الضغط الاقتصادي وقلة الموارد، ثمة متسع للتشارك بسعادة ووفرة.

رمضان كريم، سورية وأهلها أكرم.

سلوى زكزك/ فيسبوك
سلوى زكزك
مدوّنة سورية تقيم في دمشق. تكتب مقالات وتحقيقات صحافية. وصدرت لها ثلاث مجموعات قصصية. تكتب في مواضيع النسوية والجندر وتهتم بقضايا العنف الاجتماعي.

مدونات أخرى