السودان: هل هناك أمل؟

السودان: هل هناك أمل؟

20 سبتمبر 2020
+ الخط -

(1)

هكذا يسأل كل سوداني وسودانية يطالع الجنيه الغارق والبلد الغارق والحلم الغارق. مدّ السودانيون حبل الصبر حتى انقطع: سنين الفساد والاستبداد تلتها جائحة فتّاكة، ثم ها هو المطر يلقى نهر الموت ليجرف ما بقي من أثر دولة.

الظروف الموضوعية الحاكمة في سودان اليوم: فقر مُدقع، انقسام أهلي حاد، ضعف في جهاز الدولة والحركة السياسية والمجتمع المدني، محيط إقليمي مضطرب حد الاحتراب الأهلي في دول عدة، أما الدول المستقرة في هذا المحيط فهي معادية للمشروع الديمقراطي. في الذاكرة القريبة خنق ثورات الربيع العربي وفي البعيدة تكالب الملكيات الأوروبية على ربيع شعوبها في القرن التاسع عشر. الخلاصة أن الظروف الموضوعية تقبُر كل أمل.

(2)

في وسط هذه الأزمات يدرك الجميع ألا نجاة بدون تغيير جذري في اتجاه البلاد. وإذ يشدد هذا المقال أن أصل الأزمة ليس في الأشخاص، فإنه يجادل أن التغيير الجذري المنشود غير ممكن بدون تبديل في الأشخاص، وعلى رأسهم القيادة الحالية للحكومة. تغيير الاتجاه المطلوب يحتاج رؤية سياسية واضحة، وقيادة ذات مصداقية شعبية، وعزيمة وقدرة على شحذ الإرادة الوطنية، وقد بدد رئيس الوزراء رأس المال الرمزي والثقة اللذين تمتع بهما بعد أن اتسمت قيادته خلال العام المنصرم بالتردد وانعدام الشفافية، ومخاطبة الأجنبي قبل الداخل الوطني. الأهم من ذلك أن الثوار بذلوا أرواحهم لتكون الحكومة المدنية أداة في يد الثورة في وجه تمدد المكون العسكري، وقد حيّد رئيس الوزراء هذه الأداة فجعلها بلا طعم أو رائحة، وأثبت ألا قدرة له على حمل أثقال المشروع الوطني.

استمرار البلاد في الاتجاه (بالأحرى اللاتجاه) الحالي، خاصة في ظل الانهيار الاقتصادي وكارثة الفيضان، يخلق وضعًا سياسيًا وشعبيًا يجعل من الانقلاب العسكري احتمالاً جديًا.

واجب الساعة ومطلب الشارع ينبغي أن يكون تغيير رئيس الحكومة عبر البرلمان الذي تتواطأ القوى المستفيدة من الأزمات الراهنة على تعطيل تشكيله

تخبط الحكومة في التعامل مع هذه الأزمات خلق فراغاً يتمدد فيه المكون العسكري الذي يتأهب للانقضاض، وواجب معسكر الثورة أن يستبق هذا كله بتبديل الحكومة قبل أن يفعل العسكر ذلك. إن الإبقاء على الوضع القائم بأي دفوعات كان يخدم بالدرجة الأولى مخطط الانقلاب الذي يَنْفذ كالنمل من ثقوب الحكومة الحالية ويراهن على تطاول زمن فشلها.

(3)

في المقابل، رئيس الحكومة يحظى بتأييد غربي، ولا بديل جاهزا له، كما أن تغييره، وإن كان ضروريًا وحاسمًا، فإنه غير كاف، فلابد من تغيير سياسي ومؤسساتي مصاحب.

توفر الوثيقة الدستورية، رغم عيوبها، إطارًا لمخاطبة هذه القضايا المترابطة، فالبرلمان الانتقالي له صلاحية تبديل رئيس الوزراء. طريق البرلمان يخاطب أيضاً تحفظات الغرب الداعم لرئيس الحكومة الحالي، فهو يتسق مع بيان وزير الخارجية الأميركي في 13 أغسطس/آب الداعي للالتزام الحرفي بالوثيقة الدستورية، كما أنه يسد السبل الانقلابية لتبديل الرجل.

النقطة الأهم، أن البرلمان هو الوعاء المؤسسي الضروري ضرورة حرجة لبناء رؤية سياسية جديدة واتجاه جديد للبلاد، خاصة في ظل التضعضع المؤسسي لقوى الحرية والتغيير، ووجوده هو ضامن لعدم تحول مطالبة إقالة المسؤولين إلى عادة يومية تنسف القليل المتبقي من استقرار الفترة الانتقالية. استرسالًا، بطء الثورة في بناء المؤسسات كالبرلمان والنقابات وإصلاح الأحزاب قد منح المكون العسكري وغيره أفضلية مؤسسية وتنظيمية يجب حرمانهم منها.

التجربة القريبة تقول إن الضغط الشعبي ينجح حين يطرح مطلبًا محددًا، فقد حقق هذا الضغط تعيين الولاة. واجب الساعة ومطلب الشارع ينبغي أن يكون تغيير رئيس الحكومة عبر البرلمان الذي تتواطأ القوى المستفيدة من الأزمات الراهنة على تعطيل تشكيله. إرادتنا الجماعية هي سفينة نوح المنجية من الطوفان الذي يغرق البلاد الآن، ترجمتها الأولية هي إزالة رئيس الورزاء وتشكيل برلمان الثورة.

دلالات