الدم الفلسطيني حرام

12 يناير 2025
+ الخط -

محرَّم على كل فلسطيني أن يستبيح دم أخيه الفلسطيني تحت أي مبرر وفي أي زمان ومكان، فكيف والشعب الفلسطيني كله يتعرض لحرب إبادة وهجمة صهيونية تستهدف وجوده، وترمي لإبادته، وتمارس تطهيرًا عرقيًا هو الأكثر دموية منذ النكبة الأولى.

هذا نداء ومناشدة للعقلاء في السلطة الفلسطينية بالاستماع لصوت العقل، وتفويت الفرصة على الاحتلال الذي يدفع للاحتراب الأهلي، وحرف الصراع عن وجهته الصحيحة، فلا شيء بيننا كفلسطينيين لا يحل بالحوار ونحن نعاني تهديدًا واحدًا هو الاحتلال، وهدفنا واحد هو التخلص منه، أما الاقتتال فهو وصفة إسرائيلية بامتياز وتزداد أهميته للاحتلال في هذه المرحلة تحديدًا التي يخطط فيها لاستكمال ما فشل عن فعله في النكبة، حالمًا بأن يرى الفلسطينيين يتقاتلون ويقتلون أنفسهم فيما يستكمل هو التحضير للتخلص منهم جميعًا، واستعمال "الاحتراب الأهلي" لو حصل - لا سمح الله - كمبرر للسطو على كل أراضيهم وضمّها وطردهم للجوار.

ما أُطلق عليها "عملية حماية وطن" وصف لا علاقة له بالوطن ولا يخدم إلا مصلحة أعدائه، فحماية الوطن تكون بالتصدي للاحتلال المهدد الوحيد للشعب والقضية الفلسطينية، وحماية الوطن تتجسد عبر تثبيت الشعب الفلسطيني في أرضه وتعزيز قدرته على المقاومة والصمود، فالاقتتال الفلسطيني الفلسطيني لن يعود بالخير لا على السلطة ولا على الشعب. وعلى السلطة الفلسطينية التي تظن أنها بهذه العملية يمكن أن تحصن نفسها أن تقرأ تصريحات الوزير المتطرف في الحكومة الإسرائيلية بتسلئيل سموتريش حول عزم حكومته إلغاء اتفاقية أوسلو وتفكيك السلطة الفلسطينية واحتلال كامل الأراضي الفلسطينية، إنهم ينظرون لكل الفلسطينيين نظرة واحدة باعتبارهم تهديدًا وجوديًا، فيما نحن الفلسطينيين نخطئ تمامًا عندما ينظر بعض منا للآخر على أنه تهديد. نقولها ويقولها الدم المسفوح في غزة وجنين ونابلس وكل فلسطين، إن العدو الوحيد والتهديد الوحيد هو الاحتلال الإسرائيلي.

الآن يجب وقف الحملة على مخيم جنين، من المضحك المبكي الذي لا يصدق أن تحاصر السلطة مخيم جنين، وتمنع عنه الطعام والشراب، وتهدم بيوتاً، من المؤلم بل المرعب أن نمارس ضد بعضنا ما يمارسه الاحتلال ضدنا.

على العقلاء في السلطة وحركة فتح التي خبرت الكفاح المسلح، وتدرك منذ الرصاصة الأولى أن العدو هو الاحتلال، مسؤولية الاستماع لصوت الوجهاء وقادة الرأي في الضفة الغربية وجنين الذين بادروا للوساطة قبل فوات الأوان، ولا بد أن يعرفوا أن الضفة هي التالية بعد غزة، وأن ما يعد لها من مخططات للضم والتهويد جاهز بانتظار قدوم ترامب، وأن مثل هذه المعارك العبثية تسهل تنفيذ مشاريع بن غفير وسموتريتش وكبيرهم نتنياهو ولا تعطلها، بل تعجل بها وتوفر لها كل المبررات والأرضيات.

إننا كشعب فلسطيني وكمجموعة بشرية نتعرض للتطهير العرقي على الهواء مباشرة منذ 15 شهرًا، ومخطئ من يعتقد أن المذبحة التي تتم في غزة ستبقى فيها، هذا هو النموذج الدموي الذي تعد له الصهيونية الدينية الحاكمة في إسرائيل لباقي الأرض المحتلة، وحتى لفلسطينيي الداخل. إن هذا الوحش المنفلت ينظر للفلسطيني في غزة والضفة والداخل والخارج من ذات المنطلق الجابوتنسكي الذي يقتدي به نتنياهو، والذي يؤمن بالسحق والتدمير وسيلة وحيدة لتحقيق الأمن، ويرى أن الفلسطيني الجيد هو الفلسطيني الميت أو المرحَّل، كما وبخ زئيف جابوتنسكي، أستاذ نتنياهو وصديق والده، من اعتقد من الصهاينة بإمكانية التعايش مع الفلسطينيين، وأكد لهم أن أي شعب أصلي لا يمكنه التعايش مع محتله، وبالتالي يجب سحقه، انطلاقًا من إيمان نتنياهو بأفكار ملهمه يتوق لاستكمال التطهير العرقي، فهو ابن المدرسة الجابوتنسكية كما قلنا، التي ترى كذلك أنهم أخطأوا في عدم طرد كل الفلسطينيين وقتلهم عام 1948، وبالتالي يرون في اللحظة الحالية الفرصة المواتية لفعل ذلك، فصمت العالم عن جرائمهم، واستفرادهم بغزة للشهر الـ15 على التوالي وكل جرائم الحرب التي ارتكبوها دون عقاب شجعهتم على المضي قدمًا، فهل نحتاج أدلة إضافية على الحاجة الوطنية والملحة لوقف الاقتتال الفلسطيني وتمتين الوحدة، فلا شيء أصلًا يتقاتل عليه الضحايا، كلنا ضحايا وشهداء في قائمة الانتظار.

الآن، يجب وقف الحملة على مخيم جنين، فمن المضحك المبكي الذي لا يصدق أن تحاصر السلطة مخيم جنين، وتمنع عنه الطعام والشراب، وتهدم بيوتًا. من المؤلم، بل المرعب، أن نمارس ضد بعضنا ما يمارسه الاحتلال ضدنا. من الجريمة والخيانة لدماء كل الشهداء ألا تتوقف تلك الممارسات الآن وفورًا، لقد ألغت إسرائيل أوسلو فلماذا تتمسكون بها؟ وتحضر لتهجير من تبقى منا داخل فلسطين، وبعضنا يتقاتل على أوهام، فيما يحضر سموتريش ورفاقه لأكبر مشروع تطهير عرقي منذ النكبة الأولى. إن أطفال غزة يموتون بردًا وجوعًا، كفى اقتتالًا عيب، بل إنه العار.

C2A96DF8-EEBE-40B9-B295-1C93BEABA19C
محمد الأمين
كاتب وإعلامي فلسطيني مقيم في لندن، أكمل الماجستير في الإعلام في جامعة برونل غرب لندن.عمل صحافياً ومنتجاً تلفزيونياً لعدد من البرامج التلفزيونية والأفلام الوثائقية لصالح عدد من القنوات العربية والأجنبية، يكتب حالياً في شؤون الشرق الأوسط ويختص في الشأن الفلسطيني.