الدكتورجية

مدونة عامة

زيد نجم الدين

"الدكتورجية" مصطلح أجده الأنسب لوصف البعض من حملة الألقاب الأكاديمية والمهنية ممن يظهرون على شاشات التلفاز فاتحين بذلك مزادات بيع الضمائر والقيم، وبضاعتهم فيها هي الرأي الفني والاستشارة والتحليل وكله حسب الطلب وعلى المقاس وحسب القطعة. ظاهرة "الدكتورجية" تظهر بشكل واضح في العراق مع أي حدث مهم يشغل الرأي العام سواء أكان انتخابات، تظاهرات، تشريع قوانين، قضايا أمن واقتصاد أو أي حدث آخر..

من سمات "الدكتورجية" أنهم يتمتعون بميزة التقلب بين الآراء والمواقف، وبمرونة عالية جداً وحسب ما تقتضيه المصلحة الخاصة، ومن شواهد ذلك ما يعرضه اليوم "الدكتورجية" في بازار الآراء الفنية من فصالات جديدة لآراء تلائم كل الأذواق الإطارية أو التيارية، الديمقراطية أو الاتحادية، العزمية أو التقدمية..

الخدمة التي يقدمها "الدكتورجية" مهمة جداً عند بعض السياسيين، لأنها تفتعل قيمة وهمية لأي هفوة أو إخفاقة سياسية، بمعنى آخر "الدكتورجية" يستطيعون تحويل العمالة إلى حكمة والهزيمة إلى نصر والفساد إلى منجز وهكذا، هذه هي مهمة "الدكتورجية"، هي أشبه بمركز تجميل لمعالجة كل آثار التشوهات الناجمة عن إخفاقات العمل السياسي والفشل المتراكم.

دور الحبربشية يكامل دور "الدكتورجية" في ربط طرفي دائرة التضليل مع بعضها البعض

المراوغة والمناورة من أدوات العمل السياسي الخطرة أو ذات الحدين، والذي يفصلها عن الخيانة هو حدود أخلاقيات العمل السياسي، أما الدكتورجية فهؤلاء يخونون ضمائرهم وما تعلموه في رحلة المعرفة والتعلم من خلال ما يقدمون من قراءات فنية مزيفة واستشارات مضللة، كثير منها يتحول لاحقاً إلى رأي عام ثم إلى موقف أو فعل سياسي، وهنا تكون الخيانة مضاعفة، فالخيانة الأولى هي خيانة الضمير والقيم والثانية هي خيانة المجتمع والرأي العام.

"الدكتورجية" سيئون لكنهم ليسوا الأسوأ، فهنالك نوع آخر يعمل معهم أسميهم "الحبربشية"، ودور الحبربشية يكامل دور "الدكتورجية" في ربط طرفي دائرة التضليل مع بعضها البعض.

مهمة الحبربشية هي تقديم الدكتورجية كمستشارين وخبراء إلى زعيم الحزب أو التيار السياسي، طبقة "الحبربشية" هذه تختار "الدكتورجية" بعناية كبيرة لكنها ليست العناية الباحثة عن المقدرة والكفاءة الحقيقية في إبداء الرأي الفني وتصويب الرأي السياسي، كلا! بل هي العناية الباحثة عن أشخاص وضيعين تافهين يقدمون الاستشارة بالتشاور والتنسيق مع طبقة الحبربشية مقابل أن يثني كل من الحبربشية والدكتورجية على بعضهما البعض أمام الزعيم لنيل المزيد من الثقة.

الحبربشية هؤلاء من وجهة نظري هم أسوأ من الدكتورجية لأنهم يخونون ضمائرهم ويخونون الكيان السياسي المنخرطين ضمن تنظيماته، ثم يخونون بذلك جمهورهم والرأي العام والمجتمع والوطن بصورة عامة.