الخوف من الحرية!

الخوف من الحرية!

28 يونيو 2022
+ الخط -

عندما طلبت إلي أمي أن أطعم حمَامَها المحبوس العزيز لديها وأسقيه، أوصتني أن أنتبه عند فتح العش حتى لا تفلتَ مني حمامة وتطير رغماً عني، لكنّ حمامة أفلتت مني، مع الأسف، وحلقت في السماء، فانتابتني مشاعر متضاربة اختلط فيها الحزن بالفرح في داخلي، فقد حزنت لأنني لم أكن حريصة على الوصية، وهو ما يغضب أمي مني ومن ثم سيتعكر مزاجي؛ لكنني في الوقت نفسه فرحت فرحاً عميقاً عندما رأيت الحمامة تحلق وتحلق إلى أعلى ساعية إلى الحرية ورافضة الحبس، فهذا حقها الذي سلبناها إياه، وهذه فطرتها التي شوهناها، الأمر الذي هدّأ من روعي وخفف من توتري.

لكن حدث ما لم أتوقعه بأن وجدت الحمامة في اليوم التالي ثم في الذي يليه والذي يليه تقف فوق العش وكأنها تود الرجوع إليه والدخول في المحبس من جديد، والأكثر من ذلك أنني ما إن فتحت الباب حتى اقتحمت العش طواعية وبكامل رغبتها. فاستوقفني المشهد طويلاً، وتساءلت في نفسي: لماذا عشقت الحمامة ضيقَ الأفقِ ورفضت رحابته؟ لماذا فضلت انتظار الفتات من طعام وشراب على السعي وراء المزيد في أرض الله الواسعة؟ لماذا فضلت الحبس؟ لماذا خافت الحرية؟

قد يكون السبب أنها لم تعرف معنى الحرية لأنها ولدت في الحبس، وظنت أنه قدرها المحتم الذي لا فكاك منه حتى الموت أو الذبح، أو أنها خافت الجوع الذي قد يجلبه تفلتها من الأسر، أو أن السبب وراء ذلك أنها وجدت الحرية يعقبها مسؤولية، والمسؤولية تستوجب السعي وراء حياة أسهل ففضلت الكسل على السعي ومن ثم لم تتضجر من ضيق الأفق بعدما خافت رحابته.

وينسحب هذا أيضاً على الإنسان، إذ يخاف الحرية خشية الجوع، وينزعج من سعة أفقها ويرضى بضيق الأسر وأمنه واستقراره المزعومين، ويهرب مما تقتضيه الحرية من مسؤولية لينعم بما تتيحه له العبودية!

دلالات

3E7A7174-FBAB-41EE-9E9B-17EE3A36DE1E
أسماء راغب نوار
كاتبة ومترجمة مصرية، عربية مسلمة، أعشق تراب مصر ولا يزال لدي أمل في نهضتها، أعتز بلساني العربي أيما اعتزاز، أتخذ من الإسلام منهجًا للحياة غير مقتصرة على تأدية العبادات، أود تطبيق العدالة بين الناس كافة، درست اللغة الإنجليزية وآدابها وأعمل مترجمة. تعرّف عن نفسها بالقول: "لقد أقمت حياتي على مبدأ أن المطلق الوحيد هو الله وما دونه قابل للأخذ والرد إلا ما أنزل على رسوله أو ورد عنه، ووجهت نفسي للانتصار للحق وليس للرأي، ورفعت عن عقلي الوصاية فاستقل رأيي".