الحوار التركي المصري في مصلحة من؟

الحوار التركي المصري في مصلحة من؟

09 مايو 2021
+ الخط -

إن توزيع القوى العالمية والإقليمية في حقبة الحرب الباردة، أثر في معظم جوانب العلاقات الثنائية بين مصر وتركيا، كدولتين مستقلتين. كما أن سياسة أنقرة والقاهرة الإقليمية والعلاقات الثنائية لم تكن بمنأى عن هذا التوزيع.

تعتبر مشاركة تركيا في حلف شمال الأطلسي ردًا على العلاقات الوثيقة التي بناها الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر مع الاتحاد السوفييتي بعد وصوله إلى السلطة، من أهم المؤشرات التي تدل على حالة التذبذب التي شهدتها تاريخيا العلاقات التركية المصرية.

أما في موضوع العلاقة مع إسرائيل فكانت تركيا تدعم المبادرات العربية خلال الحرب الباردة حيث كانت تعد من النقاط المشتركة في السياسة الخارجية للبلدين.

وفي فترة ما بعد الحرب الباردة، لم يكن هناك تغيير كبير في مسار العلاقات الثنائية، سلبا أو إيجابا، إلى أن جاء عام 1998، حيث لعب الرئيس المصري الراحل حسني مبارك، دورًا مهمًا في نزع فتيل الأزمة بين تركيا وسورية، والتي نشأت على خلفية دعم سورية وقتها لمنظمة "بي كا كا".

ومن بعدها جاءت مرحلة الربيع العربي و كانت نتيجته قطع العلاقات الدبلوماسية عام 2013 بين البلدين، ما أدى إلى توترات مختلفة بينهما سياسية واقتصادية وأمنية.

انعكست التهدئة بين البلدين بصورة مباشرة على وضع المعارضة المصرية في تركيا وعلى الجانب الآخر ظهرت دعوات تتحدث عن ردود فعل مصرية متوقعة ضد "جماعة غولن"

عودة الاتصالات

إثر المتغيرات السياسية الإقليمية والدولية وفوز بايدن بالانتخابات الأميركية وإحداث بعض المتغيرات في سياسة أميركا في المنطقة، أدى ذلك إلى خلط الأوراق السياسية وتبدل للأولويات.

فتركيا من جهة تريد فك العزلة وفتح قنوات تواصل جديدة ومصر تريد تحصين نفسها وفتح آفاق سياسية وأمنية واقتصادية. ولكن هذه الاتصالات حتى اليوم ليست سوى زيارات استطلاعية وفتح ثغرات لبناء المصالح المشتركة وتذليل العقد إن كان على الصعيد الثنائي أم الإقليمي.

أبرز نقاط الحوار الثنائي

من الواضح ان هناك رغبة تركية في تذليل التوترات مع مختلف دول المنطقة وخاصة في الشرق الأوسط، وبدأت ملامح هذه السياسة مع تولي بايدن منصبه واعترافه بالإبادة الأرمنية، ومن أهم الدول التي تعتبر تركيا أنه يمكن أن تفتح أبوابا لها لأسباب مختلفة هي مصر.

من هنا حصل إقرار البرلمان التركي بالإجماع تشكيل لجنة صداقة برلمانية مع مصر، إضافة إلى تصريحات المسؤولين الأتراك والاجتماعات الثنائية التي تحصل خلال الفترة الماضية.

ولكن إجراء اتفاق سريع بين البلدين ليس من السهل لأن هناك ملفات شائكة مختلفة ومائدة المفاوضات الرئيسية هي كالتالي: يأتي على رأسها مناقشة عودة العلاقات الدبلوماسية، والتنسيق في الملف الليبي، وشرق المتوسط بما قد يفضي إلى توقيع اتفاق في المنطقة الغنية بالغاز، إلى جانب أوضاع المعارضة في كلا البلدين.

والسيناريو الأكثر ترجيحا أن تعود العلاقة بين البلدين من خلال المراحل التالية توقف التصريحات الهجومية بين البلدين، عودة العلاقات الدبلوماسية والبدء بالتنسيق بالملفات الاستراتيجية التي ذكرناها أعلاه إضافة إلى الزيارات الثنائية بين البلدين من خلال اللجنات البرلمانية و غيرها لتعزيز التعاون التجاري والاقتصادي.

الملف الليبي

أي تقارب يحصل بين البلدين سيؤثر بشكل إيجابي على ليبيا، يبدو أن هناك وجهات نظر قريبة تشوبها أحيانا بعض المناكفات ولكنهما متفقتان على إجراء انتخابات في موعدها المحدد نهاية العام، إضافة إلى اعتراف تركيا في ملتقى الحوار السياسي الذي أطلقته مصر بخصوص ليبيا وإعادة فتح السفارة المصرية في ليبيا.  ولكن هذا التقارب بالملف الليبي بحاجة إلى ترجمته بأدوات تنفيذية من خلال حلحلة العقد بخصوص الحدود البحرية وغيرها.

شرق المتوسط

نجحت القاهرة في إطلاق منتدى الغاز للشرق المتوسط، وانطلق من خلاله ترسيم العلاقات بين دول الإقليم على أسس ومنهج محدد، وهو يعد فرصة لتركيا في حال تقدمت بطلب وتمكنت من التفاوض والانتقال إلى مرحلة أخرى من المشاورات، وهو ما سيحتاج إلى مهارات كبيرة للمفاوض المصري على أكثر من مسار، وعبر أكثر من أسلوب تفاوض ما بين الأمني والسياسي والاستخباراتي.

جماعة المعارضة للبلدين

انعكست التهدئة بين البلدين بصورة مباشرة على وضع المعارضة المصرية في تركيا وعلى الجانب الآخر ظهرت دعوات تتحدث عن ردود فعل مصرية متوقعة ضد "جماعة غولن". وهذا يصب في المصلحة المشتركة للتخفيف من الحرب السياسية والإعلامية للطرفين داخليا مما يخلق أجواء استقرار داخلي بشكل أفضل ولكن ما زال هناك حالة تروٍّ لكيفية حلحلة هذا الموضوع بعدما وصل الشرخ إلى حد كبير.

مسار جديد في المنطقة

أي تغير بمسار العلاقات بين البلدين سيلعب دورا رئيسيا في تغير الخريطة السياسية في المنطقة، فكل دولة تبحث عن دور جديد لها وعن حماية مصالحها السياسية، الأمنية والاقتصادية. ولكن هنا نتحدث عن دولتين نافذتين ولكل منهما نقاط قوة مهمة تؤدي إلى قلب الموازين في منطقة الشرق الأوسط.

خلال المرحلة القريبة سيصبح التقارب بين الدول المتخاصمة خلال السنوات الماضية حاجة بفضل المتغيرات السياسية الجديدة في الشرق الأوسط وذلك بفعل تغير الأولويات الأميركية مما سيؤدي إلى تسويات شاملة وإلى حروب في مقلب آخر بفعل هذه المتغيرات.