التماسك السوري يُفشل مخطّطات إسرائيل
تشهد سورية تطوّرات سياسية وعسكرية مُتسارعة، حيث تسعى الحكومة الانتقالية بقيادة الرئيس أحمد الشرع إلى تعزيز الاستقرار وإعادة بناء الدولة.
تأتي هذه الجهود في ظلّ وجود عراقيل إقليمية ودولية، أبرزها المحاولات الإسرائيلية المستمرّة لإضعاف الدولة السورية ومنعها من استعادة سيادتها الكاملة، ولكن كلّما ازداد التماسك الوطني حول الحكومة السورية الجديدة، تراجعت قدرة إسرائيل على تنفيذ أجندتها، ممّا يدفعها إلى التصعيد العسكري والتدخّل بذرائع مختلفة.
التحديات الداخلية والخارجية
تواجه سورية الجديدة عقبات كبيرة في مرحلة إعادة البناء، أبرزها معالجة الانقسامات التي أثّرت على النسيج الاجتماعي، بهدف تحقيق مصالحة مجتمعية وتعزيز الهُويّة الوطنية، مع الحفاظ على وحدة الأراضي السورية. هذه الانقسامات لا تقتصر على الجوانب السياسية فحسب، بل تمتد إلى "الانقسامات الطائفية والمجتمعية" التي تسعى بعض القوى الخارجية إلى توظيفها لتحقيق أهدافها التقسيمية.
كلّما ازداد التماسك الوطني حول الحكومة السورية الجديدة، تراجعت قدرة إسرائيل على تنفيذ أجندتها
وللتعامل مع هذه المآزق، يتطلّب الأمر أولا ضمان الاستقرار الأمني في البلاد، وذلك للحيلولة دون أيّ محاولة لإشعال نزاع داخلي، كما يتوازى مع هذا الجهد، ضرورة تبني مسار سياسي يُساهم في بناء أسس قوية للعدالة الانتقالية والمصالحة. وفي هذا السياق، يشكّل التوتّر الأخير في الساحل السوري فرصة مهمة لمعالجة هذه القضايا.
التفاهمات بين الحكومة السورية ووجهاء السويداء
على مستوى الصعيد الداخلي، استطاعت الحكومة السورية تحقيق تفاهمات مهمّة مع وجهاء السويداء؛ المحافظة ذات الأغلبية الدرزية، ممّا قطع الطريق أمام المحاولات الإسرائيلية لاستغلال هذه الطائفة في مشاريع تقسيمية، فقد جاءت هذه التفاهمات بعد حوار جاد بين الطرفين، حيث تمّ الاتفاق على تعزيز الخدمات، تحسين الوضع الأمني، وإعادة دمج السويداء في مؤسّسات الدولة.
أحد أبرز نتائج هذه التفاهمات كان رفض أيّ تحرّكات مسلّحة خارج سلطة الدولة، وهو ما أضعف الخطاب الإسرائيلي الذي حاول تقديم نفسه كـ "حامٍ للأقليات" في سورية، فكلما ازدادت اللُّحمة بين المكوّنات الوطنية والحكومة، فقدت إسرائيل أوراقها التي تستغلّها للتدخّل في الشأن السوري.
إسرائيل ومحاولات ضرب الاستقرار السوري
مع تحقيق هذه التفاهمات، لم تخفِ إسرائيل غضبها من التقارب الداخلي السوري، حيث عبّر وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، عن ذلك بتصريح قال فيه: "كل صباح، عندما يفتح الجولاني (أحمد الشرع) عينيه في القصر الرئاسي بدمشق، سيرى الجيش الإسرائيلي يراقبه من مرتفعات جبل الشيخ".
قلق إسرائيلي من استعادة سورية لقوتها، خاصّة مع اقتراب حل الأزمة الداخلية وعودة دمشق إلى الحاضنة العربية
هذا التصريح يعكس قلق إسرائيل من استعادة سورية لقوّتها، خاصّة مع اقتراب حلّ الأزمة الداخلية وعودة دمشق إلى الحاضنة العربية. لطالما سعت إسرائيل إلى استغلال التوترات الداخلية لإضعاف الدولة السورية، إلا أنّ التماسك الداخلي المُتزايد أصبح يشكّل عائقًا أمام هذه الاستراتيجية.
إسرائيل ومحاولة تدمير القدرات العسكرية السورية
منذ سقوط بشار الأسد، كثّفت إسرائيل هجماتها العسكرية على المنشآت السورية، وذلك بهدف منع الحكومة الجديدة من استعادة سيطرتها على أدواتها العسكرية، فقد شنّت إسرائيل نحو 500 غارة جوية على مواقع عسكرية سورية، استهدفت قواعد جوية، أنظمة دفاع جوي، ومستودعات أسلحة، ممّا عرقل جهود الحكومة السورية في استعادة قوّتها الدفاعية.
إحدى أخطر هذه الهجمات كانت استهداف القاعدة الجوية في حمص، التي كانت تحتوي على أنظمة دفاع جوي متقدّمة، كما استهدفت إسرائيل عدّة مواقع عسكرية قرب دمشق، بدعوى "ضرب النفوذ الإيراني"، لكن الهدف الحقيقي كان إضعاف الجيش السوري ومنعه من استعادة كامل عافيته وسيادته.
تسعى إسرائيل إلى ضرب سورية من الداخل من خلال تسييس الطوائف السورية وتحويلها إلى مليشيات مسلّحة تعمل ضدّ الحكومة
إلى جانب ذلك، نفذّت إسرائيل اجتياحًا عسكريًا داخل الأراضي السورية بعمق 65 كيلومترا، في محاولة لفرض واقع جديد في المناطق العازلة، ومع ذلك، ما زالت تتحدّث عن "المنطقة العازلة" كذريعة لتدخّلاتها، رغم أنّ هذه المناطق تقع ضمن السيادة السورية الكاملة.
هذا التحرّك يعكس استراتيجية إسرائيلية مُمنهجة لتوسيع نفوذها العسكري ومنع سورية من استعادة سيطرتها على حدودها الجنوبية.
إسرائيل وتسييس الطوائف السورية
إلى جانب العمليات العسكرية، تسعى إسرائيل إلى ضرب سورية من الداخل من خلال تسييس الطوائف السورية وتحويلها إلى مليشيات مسلّحة تعمل ضدّ الحكومة. فبعد فشلها في السويداء، تفشل أيضا في شرق الفرات، فقد وقّع الرئيس السوري أحمد الشرع اتفاقًا مع قائد "قوات سوريا الديمقراطية"، تمّ بموجبه دمج هذه القوات في الجيش السوري، ممّا يعزّز الوحدة الوطنية ويقطع الطريق أمام المحاولات الإسرائيلية لاستغلال الانقسامات الداخلية.
وبهذا تفقد إسرائيل ورقة مهمّة كانت تستخدمها لزعزعة الاستقرار في المنطقة، كما أنّ هذا الاتفاق يعكس نجاحًا جديدًا لسياسة الحكومة السورية في تعزيز التماسك الوطني، وإفشال المخطّطات الخارجية التي تسعى إلى تقسيم البلاد.
العثرات والفرص أمام سورية
رغم النجاح في إحباط بعض المخطّطات الإسرائيلية، لا تزال سورية تواجه صعوبات كبيرة، أهمها: إعادة بناء الجيش والبنية العسكرية، وتحقيق الاستقرار الاقتصادي، في ظلّ العقوبات الغربية، واستكمال المصالحة الوطنية لضمان عودة جميع المناطق إلى سيطرة الدولة.
التفاهمات الوطنية تؤكّد أن البلاد تسير نحو مرحلة جديدة من الاستقرار رغم كلّ العقبات وبعض سلبيات الحكومة الانتقالية
ورغم هذا وذاك إلّا أن هناك أيضا فرصًا كثيرة يمكن لسورية الاستفادة منها، أبرزها عودة العلاقات مع الدول العربية، التي قد تساهم في دعم عملية إعادة الإعمار وتجاوز أزماتها الاقتصادية.
خاتمة
ما تشهده سورية اليوم هو صراع شرس بين مشروع إعادة بناء الدولة وتعزيز الوحدة الوطنية، وبين محاولات إسرائيل والغرب لتفكيك البلاد ومنعها من استعادة سيادتها.
التفاهمات الوطنية تؤكّد أنّ البلاد تسير نحو مرحلة جديدة من الاستقرار رغم كلّ العقبات وبعض سلبيات الحكومة الانتقالية، وأمّا إسرائيل فستستمر في تصعيد هجماتها العسكرية ومحاولات لخلق صراعات داخلية، أمام تراجع متزايد في قدرتها على التأثير داخل سورية، فكلّما ازداد تماسك النسيج الوطني، ضعفت قدرة إسرائيل على فرض أجندتها، مما يؤكّد أنّ المستقبل سيكون لمن يمتلك الإرادة السياسية واللُّحمة الشعبية الوطنية لتحقيق السيادة والاستقلال الكامل.