التخصص في قراءة الكتب العلمية

التخصص في قراءة الكتب العلمية

29 مارس 2021
+ الخط -

تحتاج الكتب العلمية إلى وقت طويل أكثر من غيرها، وتتطلب جهدا وتركيزا كبيرين لفهم المعلومات وحفظها والربط بينها وتجميعها واستيعابها، كما أن قراءتها للاطلاع تختلف عن دراستها وتمحيصها، وكلاهما كأنك تصنع منحوتة من الصخر، الاختلاف في تفاصيلها.

من وجهة نظري الشخصية لا أعتقد أن أحدا يقرأ الكتب العلمية إلا إذا كان متخصصا ومجبرا على قراءتها، فهي ثقيلة بمعلوماتها ومزدحمة بالتجارب والمصطلحات والأسماء العلمية التي يصعب على العقل التركيز فيها.

إذا كنت طالب تخصص علمي فإنك تتنقل بين الكتب العلمية كالمسافر خلال سنوات الدراسة وما بين ما تحبه وما تستثقله فرق كبير، فإذا أحببت الكتاب كان سلسا ممتعا وتمر به كرحلة ممتعة لا تشعر معها بالوقت، ولكن إذا لم تحبه ستحتاج إلى أحد يسير معك في ثنياته، ولربما تتركه من الصفحات الأولى فيه.

قراءة الكتب العلمية تحتاج إلى ذكاء خاص، الذكاء في اختيار نوعية الكتاب وأسلوب المؤلف وتحري مصداقية المعلومات المقدمة في كتابه ودقتها، واختيار الموضوع الذي سيتعمق به، والتمييز بين ما يهمك فعلا وبين ما تمر به مرورا سريعا من باب المعرفة فقط وما تتجاهله لأنه لا يعنيك.

لتحقيق الفائدة من هذه الكتب عليك التمييز بين كونك قارئا تقرأ للفائدة وبين أن تكون متخصصا تعمل في المجال الذي تقرأ فيه من أجل تطوير نفسك

الكتب العلمية وما يندرج معها من الطبية والفيزيائية والرياضية وعلم الاجتماع ..الخ، وجميع ما يتحدث عن فرع من فروع العلوم، كل منها له سلبياته وإيجابياته فمثلا الكتب الطبية التي تتحدث عن الأمراض والأدوية من سلبياتها عند بعض الأشخاص وهم المرض فتراه إذا قرأ عن مرض ما استشعر أعراض المرض وأصبح كأنه يعاني منه ومنهم من يعطي نفسه صلاحية تشخيص أمراض الآخرين، وإذا ما قرأ عن الأدوية يغرق في المضاعفات والأعراض الجانبية، فيحجم عن تناول الدواء إذا احتاجه، أو يخوف الآخرين من الدواء متغاضيا عن أصول أخذ الدواء والالتزام بالجرعة المناسبة والرجوع لخبرة الطبيب في تشخيص المريض وعلاجه ودور الصيدلاني في وصف الدواء وتقييم آثاره الجانبية.

من ناحية أخرى لمحبي هذه الكتب الحق في ذلك، فإن هذه الكتب على جمودها وجفافها تعطيك متعة واقعية وملامسة للحياة التي نعيشها، فهي توسع الخيال العلمي وتعزز مداركه، كما تنمي القدرة على استيعاب الظواهر الطبيعية واستيعاب ماهية الكون، كما أن هذه الكتب لها الدور العظيم في تطور العلم و التكنولوجيا وما لها من الأثر في نهضة المجتمع وتقدمه ورقيه وخلق علماء متخصصين في البحث العلمي وتطوير أدواته للوصول لطريقة عيش أفضل من جميع النواحي، فمثلا تطور الدواء لعلاج الأمراض وتقديم خدمات صحية للعناية بالمرضى، كذلك هندسة الشوارع والمدن لتكون حضارية ومتقدمة بشكل لافت، وقس على ذلك أثر هذه الكتب في شتى نواحي الحياة.

هذه الكتب تشعرك كأنك تركض بين حقول القمح تلامس سنابلها وتدور مع النجوم وكأنك جرم في الفلك والمدارات الفضائية، وتتجول في طبقات الأرض وتضاريسها وتفهم سلوكيات الأفراد في المجتمع وتجعل الأرقام رفيقتك تراها في كل خطوة من حياتك.

ولتحقيق الفائدة من هذه الكتب عليك التمييز بين كونك قارئا تقرأ للفائدة وبين أن تكون متخصصا تعمل في المجال الذي تقرأ فيه من أجل تطوير نفسك، وبين أن تقرأ للسعي إلى إثراء مجتمعك وتقديم شيء يصنع الفرق، فمثلا من غير المعقول أن تكون قراءة عالم في الفلك لكتب الفلك مثل قارئ هاو، فالقارئ الهاوي عندما يقدم المعلومة سيقدمها بشكل سطحي أما العالم الفلكي فإنه يكون متعمقا ويعلم آثار وأبعاد هذه المعلومة.

في النهاية اقرأ وتخصص فيما تجد ميولك تناديك إليه وستحصد ما تصبو إليه.

A70A6B05-880A-46F3-93C3-09859D5CFC65
إيناس عبد الفتاح
صيدلانية كاتبة مقالات وقصص على مواقع التواصل الاجتماعي، نرتقي بالفكر ونكتب لنصل إلى العقول وشيء من العاطفة