البحث عن وطن!

البحث عن وطن!

26 مايو 2022
+ الخط -

استوقفتني الكثير من الصور لشباب وصبايا مهاجرين من المقتدرين مادياً الذين فضلوا مغادرة البلد الذي يقيمون فيه، ويحاولون جادين التمسّك بطرف خيط رفيع، لعل وعسى أن ينقذهم ويخلصهم مما هم فيه لجهة اللحاق بركب من سافر من أصدقاء ومعارف إلى بلاد قصية تحفظ أقلها ماء وجههم، وتضمّهم بجناحها وترأف بحالهم، وتعصمهم من اقتلاعهم من المساكن التي تؤويهم من الموت المحقّق الذي يلاحقهم في كل مكان، وتدثّر أجسادهم من لعنة رئيسهم وهيمنته، وزبانيته وحقدهم الأعمى!

في تلك البلاد يحاولون البحث عن الأمان الذي فقدوه طوال سنوات مضت، وبصورة خاصة، بعد أن أحكمت الحرب قبضتها عليهم، وأودت بحياة الكثير من أصدقائهم ومعارفهم، وكل من يرتبط بهم بقربى.

هذه أحوال اللاجئين الذين دفعوا ما يملكون من مبالغ مدّخرة لقاء وصولهم إلى البلاد الأوروبية وغيرها لإنقاذ حياتهم من هول المعاناة

أعداد قليلة منهم وحدها ظلت متشبثة بتراب الوطن الذي يحتضر، ولم تعد لديهم الرغبة بمغادرته، مهما عانوا بسبب قلة الحيلة، وكبر السن، وبعيداً عن طمع الدنيا، وعدم مقدرتهم على ترك إرث غني وكبير شيدوه، على مدى سنوات أحاطوا به واستجمعوا قواهم برغم قهر السنين حتى تمكنوا من جمعه، والعيش على الكفاف مع ما تبقى من أسرهم، وأبنائهم للعيش على هذه البسيطة بكرامة، فضلاً عدم قدرة الأغلبية منهم على امتلاك المال ـ عصب الحياة ـ حتى يتمكنوا من الهرب بعيداً عن بلد يتهاوى ويعاني واقعا معيشيا سيئا، وفقد أهله الثقة بحكومته التي لم تترك مجالاً لأبنائها أن يعيشوا بحرية، رغم الصعاب والحاجة الملحّة والفقر المدقع الذي يعانيه أهله. فقد بادر بكل ما أوتي من قوة، ومن جهوزية قتالية، وتوافر آليات الدمار من الإيقاع بهم، وتصويبها نحوهم للخلاص منهم، وتدمير بيوتهم وقتلهم عن بكرة أبيهم!

أسطوانة الغربة والسفر بعيداً عن الوطن لم تنته بعد، بل أنها تزداد رغبة يوماً بعد آخر، وهي مستمرة وحاضرة في فكر ووجدان وضمير كل الناس، وعلى وجه التحقيق بعدما أعياهم الفقر وأذلهم، ونال من قسم كبير منهم، ناهيك بارتفاع أسعار الدولار إلى أرقام مرعبة مقابل الليرة التي تهاوت إلى الحضيض، والحبل ما زال على الغارب!

هذه أحوال اللاجئين الذين دفعوا ما يملكون من مبالغ مدّخرة لقاء وصولهم إلى البلاد الأوربية وغيرها لإنقاذ حياتهم من هول المعاناة، وما زال البقية ممن ظل في أرض الوطن يُعاني الأمرّين يبحث عن الخلاص، لجهة الوصول، وبأي طريقة كانت، ومنهم من بقي يراوح في مكانه (مكرهٌ أخاك لا بطل) يُعاني بسبب ظروفه القاهرة، باحثاً عن أمل، ساعياً إلى تأمين المبالغ المالية التي يمكن أن تسعفه للهروب من ظلم يعيشه، ومن حياة مرة تصبغ يومه بحرقة شديدة لا يمكن أن ينطفئ لهيبها، وقهر يؤلّب عليه مضجعه!

دلالات

6C73D0E8-31A0-485A-A043-A37542D775D9
عبد الكريم البليخ
صحافي من مواليد مدينة الرقّة السوريّة. حصل على شهادة جامعيَّة في كلية الحقوق من جامعة بيروت العربية. عمل في الصحافة الرياضية. واستمرّ كهاوي ومحترف في كتابة المواد التي تتعلق بالتراث والأدب والتحقيقات الصحفية.