الإضراب صوت الطبقة العمالية... فلا تمنعوه
يقول المفكر الألماني كارل ماركس: "ليس لدى البروليتاريا ما تخسره سوى أغلالها".
أنا عامل بسيط في هذا الوطن العزيز، أعيش كلّ يوم تحديات جديدة من أجل توفير لقمة العيش لأسرتي، وأعمل ساعات طويلة في ظروف قد تكون قاسية، وأواجه ارتفاعاً مستمراً في الأسعار من دون أن يتغيّر شيء في راتبي أو وضعي المهني والاجتماعي. وعليه، إنّ الإضراب بالنسبة إليّ ليس مجرّد يوم للراحة أو الغياب عن العمل، بل هو صرخة نابعة من أعماق المعاناة والاستغلال، أستخدمه للتعبير عن حقّي في حياة كريمة.
اليوم، مع هذا القانون الجديد لتنظيم "الحق في الاضراب" الذي تسعى الحكومة المغربية لفرضه، أشعر بأنّ صوتي يُخنق تدريجياً، فهم يقولون إنّ هذا القانون ينظّم الإضراب، ولكنني لا أراه إلا محاولة لتجريدنا من أداة الضغط الوحيدة التي نملكها، الأمر الذي يجعلنا نتساءل: كيف يمكن لنا أن نحصل على حقوقنا إذا أصبح تنظيم الإضراب في يد من يتحكّم في معيشتنا؟
عندما نضرب عن العمل، نحن لا نفعل ذلك لأننا نرغب في تعطيل الحياة أو الإضرار بمصالح الآخرين، فنحن نُضرب لأننا لا نجد طريقة أخرى للتعبير عن رفضنا للظلم والمطالبة بحقوقنا الأساسية التي كفلها الدستور والمواثيق الدولية لنا كعمال، فإذا كانت الحكومة ترى أنّ الإضراب يجب أن يكون منظّماً، فنحن أيضاً نريد ذلك، ولكن ليس على حساب قدرتنا على التعبير وتكبيل حريتنا النقابية، فالقانون الجديد يضع قيوداً تجعل الدعوة إلى الإضراب شبه مستحيلة، خصوصاً في الشركات والقطاعات التي لا توجد فيها نقابات قوية.
الإضراب ليس معركة ضدّ الوطن، بل هو وسيلة للدفاع عن حقوقنا في وطنٍ نحبّه
أعيش كلّ يوم تحت وطأة الأسعار التي ترتفع باستمرار، بينما يبقى راتبي ثابتاً كالصخر، وأحاول التوفيق بين حاجاتِ أولادي ومتطلباتِ الحياة، وأتساءل: كيف يمكن للحكومة أن تفكّر في تمرير قانون مثل هذا دون أن تنظر إلى أوضاعنا؟ كان الأولى بها أن تعمل على تحسين الأجور وضمان حقوقنا بدلاً من وضع عقبات جديدة أمامنا.
يقول الفيلسوف الاشتراكي الفرنسي بيير جوزيف برودون: "الإضراب هو السلاح الطبيعي للطبقة العاملة في مواجهة الظلم الاقتصادي والاجتماعي، إنه إعلان أن العامل ليس مجرّد أداة، بل إنسان يمتلك حقوقاً يجب احترامها". أمّا المفكّر الأممي كارل ماركس، فقد رأى أنّ الإضراب يعبّر عن التضامن الطبقي، قائلاً: "في الإضراب، يجد العامل قوته الجماعية، فهو لا يطالب فقط بتحسين وضعه المادي، بل يطالب بالاعتراف بإنسانيته"، وأشارت المفكرة البولندية روزا لوكسمبورغ، إلى أهمية الإضراب في التغيير الاجتماعي، قائلة: "الإضراب الجماهيري ليس مجرد وسيلة ضغط، بل هو لحظة يعيد فيها العامل اكتشاف قوته، ويفرض إرادته على المجتمع".
الإضراب حق كفلته كلّ الدساتير المغربية منذ دستور 1962. فهو ليس مجرّد نصّ في ورقة، بل هو حق يمسّ جوهر كرامة العامل، ويعبّر عن رفضه للظلم والاستغلال، فعندما يُعطى الحق لرئيس الحكومة أو صاحب العمل لتعليق الإضراب أو حتى إحلال عمال آخرين مكاننا، فهذا انتهاك صارخ لكرامتنا.
في الأخير، نحن لا نريد المواجهة، بل نريد العيش بكرامة. فالإضراب ليس معركة ضدّ الوطن، بل هو وسيلة للدفاع عن حقوقنا في وطنٍ نحبّه. فإذا كانت الحكومة جادة في تنظيم الإضراب، فعليها أن تبدأ بحوار حقيقي معنا، نحن العمال الذين نعاني يومياً. كذلك فإننا لا نريد أكثر من حقّنا في العيش بكرامة، ولا نقبل أن تُكمّم أفواهنا بقوانين تُصادر حقوقنا الأساسية، وكما يقول يوجين فيكتور ديبس: "عندما يتوقف العامل عن العمل، فهو لا يدافع عن نفسه فقط، بل عن قيم العدالة والمساواة للجميع".
إنّ الإضراب هو صوتنا الوحيد، فلا تخنقوا هذا الصوت، بل استمعوا إليه.