الأسرة في الدراما اليمنية

18 مارس 2025
+ الخط -

في موسم الدراما اليمنية الراهن، تتزايد الأعمال الفنية التي تنقل واقعًا مؤلمًا يعكس التحديات التي تواجه الأسرة اليمنية في زمنٍ مليء بالضغوط الاجتماعية والتربوية. هذه الأعمال لا تقتصر على الترفيه وحسب، بل تتناول قضايا مصيرية تمس عمق المجتمع اليمني، وتطرح تساؤلات تتعلق بعلاقة الأسرة بالجيل الجديد، خصوصًا في ظل التغيرات المتسارعة التي يشهدها اليمن. 

ومن أهم القضايا التي تتناولها هذه الأعمال هي غياب المسؤولية الزوجية وأسلوب التربية المتبع داخل الأسر. تسلط هذه المسلسلات الضوء على واقع مرير يعيشه الأبناء في ظل غياب الوعي الكافي بأهمية التربية السليمة داخل المنزل.

 إذ يرى الكثيرون أن الأخطاء التي يقع فيها الأبناء هي مسؤوليتهم الشخصية فقط، مما يخلق فجوة كبيرة بين الأجيال. وفي وقت كان من الواجب أن تُبذل فيه الحكمة والتفهم، تبرز أساليب قمعية في التعامل مع الأبناء، تتجلى في ما يُسمى بـ"عضلات الأبوة"، التي تزيد الضغط النفسي على الأبناء، وتزرع في نفوسهم مشاعر من التوتر والندم، مما يخلق صراعات نفسية تكون صعبة المعالجة.

لا تتوقف معاناة الأسرة في الدراما اليمنية عند هذه النقطة، بل تتخطاها لتبرز معاناة الفتيات اللواتي يواجهن ضغوطًا اجتماعية قاسية نتيجة الموروثات الثقافية العتيقة، ففي مجتمع يصر على تطبيق الأعراف قسريًا، تجد الفتاة نفسها ضحية لتهميش واتهام متكرر، رغم ما تتمتع به من براءة وطهارة.

من بين القضايا الأكثر وضوحًا في هذه الأعمال الدرامية هو موضوع "زواج القاصرات" الذي يتزايد فرضه نتيجة لتقاليد اجتماعية لا تراعي الآثار النفسية والاجتماعية المدمرة التي تترتب على حياة الفتاة. 

كما لا تغفل المسلسلات اليمنية معاناة النساء المغتربات اللواتي يعشن بعيدًا عن أزواجهن لفترات طويلة، فتغيب عنهن الرعاية المستمرة، ويضعف الدعم العاطفي، مما يُخلف فراغًا عاطفيًا كبيرًا لديهن. هذا الفراغ العاطفي، الذي قد يبدو بسيطًا في ظاهره، يؤدي في النهاية إلى توهانات تربوية تضر بالأبناء، بل تجعل الأمهات عرضة للضغوط الاجتماعية ولاتهامات غير حقيقية من الآخرين.

لا تغفل المسلسلات اليمنية معاناة النساء المغتربات اللواتي يعشن بعيدًا عن أزواجهن لفترات طويلة، فتغيب عنهن الرعاية المستمرة، ويضعف الدعم العاطفي

 وفي ظل غياب الرعاية المستمرة، تصبح الأسرة عرضة لأزمات نفسية واجتماعية تعمق الأزمات الداخلية وتزيد من تفاقم المشاكل. 

إذا كانت هذه الأعمال الدرامية تطرح هذه القضايا الحساسة، فإنها في الوقت نفسه تفتح بابًا للنقاش حول ضرورة التغيير في مفاهيم التربية والعلاقات الأسرية. فالمجتمع بحاجة إلى مراجعة شاملة للعلاقات الأسرية وأدوار كل فرد فيها.

نحن بحاجة إلى العودة إلى القيم الأساسية التي تقوم على المحبة، الاحترام المتبادل، والتفاهم العميق بين الزوجين.

العلاقة بين الزوجين ليست مجرد ارتباط قانوني أو اجتماعي، بل هي أساس لبناء الأسرة السليمة التي تعتمد على التضحية المشتركة، والاحترام المتبادل. وأهم من ذلك كله، هي مسؤولية أمام الله والنفس والمجتمع، في توفير بيئة تربوية سليمة تساهم في تشكيل شخصيات الأبناء وتوجيه مسار حياتهم إيجابيًا.

إن ما تقدمه هذه الأعمال ليس مجرد تصوير لواقع بعض الأسر اليمنية، بل هي دعوة عميقة لإعادة النظر في كيفية بناء الأسرة، وتحقيق مفهوم الإخاء والتسامح داخلها.

 ويجب أن يدرك المجتمع ضرورة الوعي الجماعي في مسؤولية التربية الأسرية، بحيث لا يتم تحميل الأخطاء للمراهقين فقط، بل يُعترف بدور الأسرة في تربية الأبناء وتنشئتهم، ويجب أن ندرك أن تغافل المجتمع عن توفير بيئة تربوية سليمة سيؤدي في النهاية إلى تبعات اجتماعية ونفسية غير محمودة في المستقبل.

تبدو الدراما اليمنية في هذه الفترة مرآة حقيقية لأوضاع المجتمع، تقدم لنا عِبرًا وقيمًا قد تكون بمثابة الدعوة إلى التغيير، لكن التغيير الحقيقي لا يبدأ من الشاشة فقط، بل من داخل كل أسرة، بدءًا من مراجعة أسس العلاقة الزوجية، وصولًا إلى فهم أعمق لما يحتاجه الأبناء من محبة ورعاية.