الآثار النفسية للتبدلات الكبرى

12 يناير 2025
+ الخط -

 

بدا سقوط نظام الأسد كالزلزال الهادر الذي هز البنيان السوري الراسخ بجبروته رغم تعفنه وطغيانه، لذلك يبدو ممكنًا وصف الآثار النفسية التي ألمت بالسوريين والسوريات بالارتدادات العنيفة، عصفت هذه الارتدادات بالجميع حتى بالأشخاص المبالغين في أفراحهم، أو الذين أصابتهم حالة من عدم التصديق بسقوط النظام المجرم. إنها لحظة عظيمة كسرت أول شيء سطوة قاعدة (إلى الأبد)، القاعدة التي كانت مبررًا لمصادرة الديمقراطية والحق في التعبير، حتى الحق في الحياة تم هدره على قاعدة أن كل شخص يهدد سطوة الحكم إلى الأبد تكون حياته مهدورة باستخفاف إجرامي قاتل. إن سقوط النظام يعني بشكل فعلي سقوط الأبدية المطلقة وانهيارها من دواخل قلوب وعقول السوريين، إنه انهيار لم يكن متوقعًا ولا مأمولًا رغم اهتراء بنية النظام وتعميم المظالم وتسلط الجور على رقاب جميع السوريين والسوريات.

إن أول ارتداد هو تغير أولويات السوريين داخل سورية وخارجها، لدرجة أن السوريين في الخارج عصفت بهم حالة انفعالية عميقة دفعت بالقادرين منهم خاصة أصحاب الجنسيات الأوروبية إلى التوجه فورًا نحو سورية، فكر البعض في تغيير جذري في حياته وبالعودة السريعة بحسب ما يمكن للعيش في سورية بصورة نهائية.

تقول مريم وهي لاجئة سورية في ألمانيا: "لقد تراجعت فورًا عن شراء قطعة أثاث رغبت في شرائها كما ألغى زوجي فكرة شراء سيارة ألمانية رغم ادخاره لجزء من سعرها وقرر أن هذا المبلغ سيُصرف على ثمن بطاقات العودة إلى سورية، باتت فكرة العودة وإن كانت عاطفية وفجائية لكنها هي المسيطرة على مشاعرنا وقراراتنا". أما يامن فقد عبر قائلًا: "انتابني هاجس فوري عن ترتيبات جديدة في حياتي وحياة سورية الجديدة! فجأة ضقت ذرعًا حتى بمحتويات خزانة ملابسي وبدأت أرسم في رأسي تفاصيل الاستغناء عنها للعودة إلى سورية بأقصى سرعة ممكنة".

 

أما التغير الثاني وهو الأكثر ارتباطًا بالحيوية المجتمعية وبالخطاب العام فهو تغير خريطة العلاقات العامة والخاصة، خاصة في المحيط المباشر وفي تفاصيل الحياة اليومية وعلى شاشات التواصل الاجتماعي.

فجأة وجد الجميع أنفسهم في حالة مواجهة فرضها سؤال بدا مصيريًّا، لكنه يسبّب تحولًا كبيرًا في خريطة العلاقات وفي مدى وآلية تعامل أي فرد مع محيطه وأصدقائه وحتى شركائه في الثورة، ثمة لاعبون جدد الآن في الساحة، ثمة قيم غيرت أو تطلب وبشدة تغيير حيوية تلك العلاقات، إذ لم يعد التاريخ الثوري والموقف من الثورة جامعًا حتميًّا بين الأشخاص.

تبدو القضية هنا وكأنها ارتداد عميق ومتسلسل! يجب التوافق بصورة مطلقة على الوجوه الجديدة، لدرجة أن البعض قد غالى بإقصاء الآخر وربما تخوينه لأنه ورغم فرحته العارمة بسقوط النظام، ورغم ترحيبه بالقوى الجديدة لكنه عبر عن قلق معين، حاول المطالبة بتوضيحات تعنيه، أو طرح أسئلة تتعلق بوجوده وبمصيره مع العهد الجديد، للأسف الشديد سقطت كل هذه الهواجس المشروعة في بئر الرفض وأُجبرت على الالتزام بسياق واحد ووحيد وهو التهليل أو التخوين.

أما الارتداد الثالث فيمكن وصفه كظاهرة تدعى (انفجار النقد)، إن كل ما انفجر من موجات النقد والنقد المضاد، يبدو وكأنه معارك مصيرية، معارك حادة، استقطابية بحدة مبالغ فيها، والمؤسف أن النقد المنفجر يحمل بين طياته ملاحظات تستحق إعلانها، كما يحمل نقدًا مطلوبًا ومشروعًا، لكن صيغة إطلاقه توحي بالخوف من الآخر، يكمن الخطر في سعي البعض إلى اجترار أكوام النقد يتفق عليها الجميع، لكنهم وللأسف ينكرونها على سواهم ويقبلونها لأنفسهم فقط.

الهزات الكبرى رغم استحقاقها ورغم كونها حلمًا عظيمًا، لكنها قد تهز أركان السلم الأهلي في عز الحاجة إليه.

سلوى زكزك/ فيسبوك
سلوى زكزك
مدوّنة سورية تقيم في دمشق. تكتب مقالات وتحقيقات صحافية. وصدرت لها ثلاث مجموعات قصصية. تكتب في مواضيع النسوية والجندر وتهتم بقضايا العنف الاجتماعي.