استنساخ الأعياد

30 مارس 2025
+ الخط -
أتردد إلى الأسواق الشعبية في المدينة الفرنسية أسبوعيًّا، كل شيء يشبه الأسواق الشعبية في بلادنا، ازدحام وتنوع في المعروضات، خضار، ألبسة وأدوات منزلية، أقمشة، حلي تقليدية وأسماك، أجبان وألبان وزيتون وزيت وزعتر وتمر وطحينة، مخبوزات فرنسية بأيادٍ غير فرنسية، تغيب اللغة الفرنسية إلا فيما ندر في التعامل الشخصي وإلقاء التحيات على زبائن السوق، وربما يكون بينهم أقارب أو جيران. حتى في عمليات البيع والشراء، يجري استخدام لغات ولهجات غريبة، وتكاد تكون العربية اللغة السائدة مع أن بعض الباعة من جنسيات غير عربية.

يمكن وببساطة ملاحظة زيادة أعداد الفرنسيين الذين باتوا من زبائن السوق، وهذه الملاحظة التي تتزايد توحي بنظرة مستجدة على العلاقة المتبادلة وكأن الأمر بات اندماجًا عكسيًّا لأصحاب الأرض في الأسواق الشعبية لجنسيات قررت العيش في فرنسا، كما تجدر الإشارة إلى أن فرق الأسعار المشجع والتنوع الحيوي المبهج يشكلان دافعًا كبيرًا للفرنسيين ليصبحوا من زبائن هذه الأسواق.

في بداية شهر رمضان، دخلت بضائع جديدة على هذه الأسواق، فوانيس رمضانية، أنواع جديدة وكثيرة من التمر والبلح والفواكه، أطباق خاصة بتقديم الوجبات خلال الدعوات إلى الإفطار وأطباق خاصة لترتيب الحلويات أو لسكب وجبات مشكلة أو ما يصطلح عليه (سكبة)، ليتم إرسالها إلى بيوت الجيران والأصدقاء أو الأهل هدايا، أو تلبية لظاهرة التبادل المطبخي، بالمختصر هي أطباق وكؤوس مخصصة للاستعمال لمرة واحدة، لكنها مصممة بشكل احتفالي وليس عملياً فقط.

طلبت مني صديقة فرنسية مرافقتها إلى أحد هذه الأسواق لأنها مدعوة إلى مائدة الإفطار في بيت جيرانها، وتريد شراء هدية تقليدية تنتمي لثقافة وتقاليد الجيران، اشترت عباءة جميلة لجارتها واشترت عباءة مماثلة لها بلون مختلف، كي ترتديها أثناء تلبيتها دعوة الإفطار، يبدو الاندماج ليس عكسيًّا فحسب، بل متماهيًا مع سعادة احتفالية.

بالأمس استضاف السوق الشعبي مواد إضافية، للمرة الأولى تموضعت منضدتان مرتجلتان تحتويان على أقلام حنة وكحل عربي، ربطات شعر، أقراط وخواتم وأنواع مكياج متعددة، الأسعار المعلنة مشجعة، والمواد رغم بساطتها مفرحة ومتنوعة، ثلاث بائعات أدرن عملية البيع على المنضدتين المتجاورتين، ضحكات وتشجيع على الشراء، ونصائح عن أي نوع أفضل لرسم الحنة على الجسم، أو أي الأنواع أجمل من ربطات الشعر لطفلات في الخامسة من العمر، عطور تقليدية للبدن وللتبخير بأسمائها العربية، بخور، عود، خزامى، زهر الليمون، وكرم سخي بالسماح بشم الروائح قبل شرائها، بدت هاتان المنضدتان الطارئتان وكأنهما محاولة جادة وناجحة لاستنساخ العيد كما هو في البلد الأصلي.

على طاولة عرض بعيدة قليلًا، لوحة كرتونية مكتوب عليها (وصل كعك العيد)، أصناف متعددة من الحلويات المغربية والتونسية وأقراص المعمول وأقراص العجوة مختلفة الأشكال والحجوم، كلها موضبة في علب بلاستيكية مغلقة متعددة الحجوم وكل يشتري حسب رغبته، وضع البائع على طبق جانبي قطعًا صغيرة من الحلوى لمنح المترددين فرصة للتذوق تشجيعًا على الشراء، اللافت هو شراء الفرنسيين للحلاوة السورية، كان البائع مزهوًّا بأن لديه حلاوة بالشوكولا وحلاوة بالفستق الحلبي.

تبدو ظاهرة استنساخ المناسبات والأعياد حلًّا لكسر الشعور بالغربة، كما أنها تشكل موسمًا تجاريًّا يدر دخلًا مقبولًا على الباعة والصنّاع. قد يقول قائل: لكن كل هذا في البلد له طعم مختلف، وقد يقول آخر العيد في البلاد أجمل وأكثر ألفة ومودة.

تكثر الأقوال، وتختلف الانطباعات، وما يدور في البيوت قد يكون أكثر التزامًا باستنساخ العيد هنا في بيئة غريبة من حيث طهي الوجبات والحلويات وتبادل الزيارات والاتصالات، لكن الغربة باتت واقعًا ثابتًا لا يمكن تجاهله ولا الفرار منه، وكل محاولات الاستنساخ تبدو أفعالًا عاطفية مؤقتة تغمر أصحابها بفرح مؤقت أيضًا.

دلالات
سلوى زكزك/ فيسبوك
سلوى زكزك
مدوّنة سورية تقيم في دمشق. تكتب مقالات وتحقيقات صحافية. وصدرت لها ثلاث مجموعات قصصية. تكتب في مواضيع النسوية والجندر وتهتم بقضايا العنف الاجتماعي.