اتهامات متجددة
سلوى زكزك

دومًا يتم اتهام النساء بالإسراف، خاصة في الإنفاق على الكماليات الاستهلاكية، أو الحاجات غير الأساسية. تبدو هذه الاتهامات المزودة بإحصاءات صحيحة رقميًّا، وكأنها مرتبة بعناية وبحرفية مقصودة لتؤكد مبالغة النساء في الإنفاق غير الضروري وربما غير المفيد.
تقلّب سميرة في القمصان الرجالية المعروضة على بسطة كبيرة في سوق البالة الأكبر في مدينة دمشق، عبثًا تحاول إيجاد قميص بوضعية جيدة لتشتريه لزوجها الذي اهترأت قمصانه الأربعة وبات ضروريًّا تبديلها.
يجيب البائع: "الزلم أوادم! لا يهدرون الأموال مثل النساء لاقتناء الكثير من الملابس!" يبالغ البائع في تضامنه مع الرجال، لكنه تضامن يميل في عمقه إلى اتهام النساء بالإسراف غير المبرر وليس انتصارًا لاكتفاء الرجال بعدد محدد من قطع الملابس.
في عالم تجارة الملابس علامة خاصة يصطلح على تسميتها (بالعلامة الوردية)، وهي تختلف تمامًا عن تلك الشارة الوردية التي يتم تداولها وترمز إلى شهر التذكير بمخاطر سرطان الثدي وضرورة دعم المصابات به والناجيات منه.
تحقق العلامة الوردية مردودًا تجاريًّا كبيرًا، هي موجهة أصلًا إلى النساء والفتيات البالغات، ورمزية اللون الوردي هنا نابعة من الصورة النمطية ذاتها التي تجعل اللون الأزرق رمزًا للرجولة واللون الوردي رمزًا للأنوثة. لدرجة أن قطعة بسيطة مثل ربطة شعر قد يختلف سعرها حوالي الضعف فقط إذا ما كان لونها ورديًّا، ويقارن هذا الفارق مع قطعة مطابقة لكنها باللون الأسود أو الأزرق.
اللافت في الأمر أنه ليس نفسيًّا أو دعائيًّا فقط، بل قد دخل حيّز التنفيذ الفعلي، حيث توجد رفوف خاصة وإعلانات توجيهية في بعض متاجر الألبسة والإكسسوار التي وصلت عروضها إلى النظارات الطبية والحقائب والأحذية وهدايا أعياد الميلاد وهدايا الولادة والزواج، بل تجاوزت الدعوات الحدود ووصلت هذه التوجيهات والدعوات إلى ورق لف الهدايا والأكياس التي توضع بها منتجات العلامات الوردية، لتضيف عليها أسعارًا إضافية فقط لأنها تشمل منتجات العلامة الوردية.
هل يمكن اعتبار ما تقدم تلاعبًا بالعقول؟ خاصة أنه يوجد الكثير والكثيرات من المقتنين لهذه المنتجات، بل، قد يشتريها الرجال للنساء وكأن ذلك إفراطٌ في التقدير أو في الحب أو التدليل.
فعليًّا، تعيش النساء تناقضات كبيرة، يفرضها المجتمع ويستغلها التجار والمسوقون، السؤال هنا هل يتقاضى المنتجون أسعارًا إضافية على هذه المنتجات؟ الإجابة لا، هل تتقاضى النساء العاملات في الورش الصغيرة خاصة المصممات لتصاميم نمطية تنتمي إلى عالم العلامة الوردية أجورًا أكبر لقاء أفكارهن الابتكارية رغم نمطيتها؟ الإجابة لا قطعًا.
في الأحياء الفقيرة في مدينة دمشق تلاقي محلات تأجير فساتين الأفراح والمناسبات رواجًا كبيرًا، ويتربح أصحابها مبالغ كبيرة تتجاوز الأرباح العادية لأي محل تجاري آخر.
يبدو أن تطورًا إيجابيًّا قد حصل حين ارتضت النساء وتقبلت فكرة استئجار الأزياء بدلًا من خياطتها، وهن بذلك يوفرن مبالغ طائلة، خاصة أن غالبية القطع المشتراة من أجل مناسبة واحدة ستصير عبئًا مضافًا على خزانات الملابس المحشورة بملابس لم تزر أجساد صاحبتها منذ سنين خلت.
إن العلامة الوردية توازي فعليًّا أي عملية تلاعب بالعقول واستحواذ غير مشروع على مبالغ أكبر من كلفتها الفعلية بأضعاف، كما أن المبالغة في اللجوء إلى تطبيق صورة نمطية لأزياء النساء مبالغ فيها خاصة في المناسبات تستوجب تعقلًا وتفكيرًا أكثر واقعية مرتبطاً بتوظيف الاستهلاك وتقنينه نحو الضروريات اللطيفة، لكنها في جوهرها قادرة على توجيه ضربة قاسية إلى كل مناحي الاستغلال والعلامات التجارية الاحتيالية.
رأس المال بطبيعته نهمٌ واستحواذي، لذلك يشكل وعي النساء ضرورة ماسة، حيال تغول رأس المال الاستهلاكي واستلابه لأنماط الحياة في عمقها الوجداني، خاصة في الافتراق الحقيقي ما بين الإرادة الحرة في تقديم الذات والصيغة المفروضة لتقبل البشر بحسب خياراتهم/ن.

