إنها ليست رصاصة طائشة

إنها ليست رصاصة طائشة

03 اغسطس 2021
+ الخط -

أنت الذي تطلق الرصاص في الحفلات ابتهاجاً، وفي المآتم حزناً، أنت يا حامل السلاح مرخصاً أو غير مرخص..  يا أنت هل تعرف معنى أن تمضي الليل في قلق على عزيز أرديته برصاصة منك؟ هل تعرف الحزن على طفلة بريئة قضت برصاصتك؟ هل تدرك ما تسببه للآخرين من أذى برصاصك الفرح أو الحزين؟

الرصاصة رصاصة تنطلق من فوهة سلاحك لتصيب مقتلاً في جسد بريء.. ثم يأتي من يبرر لك بأنها "رصاصة طائشة".. لا وألف لا إنها رصاصة مجرم لا يأبه لأرواح الآخرين. الرصاصة ليست طائشة ولا تعرف معنى الطيش، لكن مطلقها يدرك جيداً ما يفعله، ويُفترض به وهو الحامل للسلاح أن يكون واعياً عاقلاً..

لكن في بلدي من يحمل السلاح زمر من الغائبين عن الوعي، لا يعقلون ولا يفقهون من حمله إلا التباهي و"الزعرنة"، معتقدين أن فيه رجولة وبطولة لا يتمتعون بأدنى معاييرها..

ليس من حقك أن تجول برصاصك على الأبرياء في منازلهم لترديهم قتلى ومصابين ضحايا "طيشك" وحدك

كم من رصاصة أطلقت في عرس أحدهم أو عند صدور نتائج امتحانات ابن أحدهم ونجاحه في الشهادة المتوسطة أو الثانوية أو الجامعية؟! رصاص يمكنه أن يطعم عائلات فقيرة.. رصاص بثمنه يمكن أن ننقذ روحاً من الموت لم تجد دواء في بلد يئن من الفساد.

يسمونه "رصاص الابتهاج والفرح".. هذه الرصاصة "الفرحة" حوّلت حياة أحدهم إلى مأتم.. واختلط أزيزها مع دماء ودموع عائلات فقدت أطفالها ونساءها ورجالها في بلد أصبح ثمن الإنسان أرخص من ثمن الرصاصة، فقط لأن أحدهم لم يتحمل الفرح دون رصاص، وآخر لم يقدر على الحزن دون أن ينشره حوله..

فمثل رصاص الفرح رصاصات كثيرة في مآتم ومسيرات حزن وتشييع، رصاصات نشرت حيث أُطلقت فيروس الموت القاتل.. تبثّ في الأبدان خوف، وتثير رجفة من موت قادم على حين غرّة..

لمن يحمل السلاح "بهرجة" وادعاء بطولة أقول: ليس لديك الحق أن تحرم أماً من ابنها بعد سنين التعب وبعد أن ربّته "بالشبر والنذر" لتراه أمامها شاباً يبحث عن مستقبله فتحرمه إياه وتحرمها منه.. ليس لديك الحق أن تحرم طفلاً من والده، من سنده وعزوته وتتركه يتيماً في بلد كلنا فيه بتنا أيتاماً وأرامل وبلا سند.. ليس لديك الحق لا لك ولا لأمثالك أن تردي أمّاً جريحة، لتسبب لها جرحاً أبدياً لا تنساه، وتجعل من التجربة التي مرّ بها أطفالها تجربة مريرة لا تمحى من الذاكرة..

لمطلق الرصاص أقول ليس من حقك أن تقتحم بإجرامك حرمة حياة الآخرين لتسلبها منهم.. ليس من حقك أن تجول برصاصك على الأبرياء في منازلهم لترديهم قتلى ومصابين ضحايا "طيشك" وحدك، لتلقي اللوم بعدها على رصاصتك "الطائشة"..

9F4A3BE9-BA53-40C7-9A59-FB36AD3387D8
عبير عادل جابر

إعلامية لبنانية عملت في العديد من وسائل الإعلام العربية والدولية. حائزة على إجازة في العلاقات العامة والإعلانات، ودبلوم دراسات عليا في الصحافة الفرنكوفونية، وماستر بحثي في الصحافة الفرنكوفونية. مدربة في المسؤولية الاجتماعية والإعلام.