إنسان عادي يرتدي قبعة!

إنسان عادي يرتدي قبعة!

16 اغسطس 2021
+ الخط -

من كلمات الشاعر مرسي جميل عزيز وألحانه يشدو محمد عبد الوهاب: "مشاوير مرسومة لخطاوينا .. نمشيها في غربة ليالينا، يوم تفرحنا ويوم تجرحنا .. واحنا ولا احنا عارفين ليه"..

لم تكن الرحلة طويلة لكني قطعت فيها مسافات ليست بالقصيرة بدراجتي الهوائية، أؤدي عملي وأمارس الرياضة، وهربا من النظر في المرآة، ومطاردا للأمل.. رحلة كل يوم للبحث عن عناوين جديدة وطرق مختلفة لم أحفظها أبدا من أول مرة أقطعها، وأبواب أطرقها لكسب القليل من المال، تنتهي بمحادثات قصيرة مع غرباء دون أن أكون مضطراً للتعريف عن نفسي بأكثر من  كلمة واحدة، متغلبا على إحساسي بالخجل كإنسان عادي يرتدي قبعة لا يوجد تحتها قصة مميزة، فقط حكايات عادية مكررة، لكن الأمر لا يخلو من بعض الفضول، ترى أثره في العيون لكوني لست يهودي الديانة!

لم تكن أحوال الطقس أكثر ما يزعجني، كان هناك الزحام والضوضاء والفوضى والعشوائية في قيادة السيارات، في شوارع  لم يفكر من قام بتخطيطها في المشاة، أو راكبي الدراجات، كنت أرد على كل هذا بالشتائم  التي تضيع في الهواء بصوت عال ولا يسمعها من قصدتهم بها.

كنت قد أقلعت عن التدخين حديثا.. جعلني هذا أشعر بتحسن ملحوظ في صحتي وأيضاً ببعض الغرابة تجاه نفسي، لكنه لم يساعدني على النوم جيداً ولا على تحسين علاقاتي الاجتماعية، ولم أرغب في العودة إلى المنزل أبدا..

يعود عبد الوهاب: "وده ليه يا ترى .. يجرى لي اللي جرى"..

عندما أنتهي من عملي أقعد في الشارع أعد الأيام التي لم أدخن فيها، أنتظر نهاية يوم جديد أقول لنفسي ما الجدوى من كل هذا؟ ليس هناك ما يغري بالبقاء في هذه المدينة الحمقاء الضيقة، مدينة بلا أصدقاء ولا حكايات تروى، لا مقاهي ولا بيوت، أمراض جديدة، سفر ورجوع، آمال صغيرة ومشروعات متناهية الصغر، دوافع جديدة للحب.. وحساسية مفرطة.

كلمة بكلمة وسطر بسطر ويوم بيوم، هكذا تمضي حياتي التي لا أشاهدها من خلال شاشة التلفزيون، ولا أعتقد بأن كل ما يجري مجرد مسرحية..

أعرف عيوبي جيداً لا أحتاج لمن يذكرني بها، ويبدو أنني ورثت عن أبي بعضاً من عناده، مع فارق أنه أقلع عن التدخين مرة واحدة وإلى الأبد، لكنني أتوقف وأعود عندما أشعر بنهاية العالم لأنني لا أريد أن أكون نسخة منه.

كلمة بكلمة وسطر بسطر ويوم بيوم، هكذا تمضي حياتي التي لا أشاهدها من خلال شاشة التلفزيون، ولا أعتقد بأن كل ما يجري مجرد مسرحية..

بدأت التدخين بإرادتي أثناء تأديتي للخدمة العسكرية، بعد أن تجاوزت العشرين من عمري، أنقطع أحياناً وأعود دائماً، وكنت أخبئ ذلك حتى لا تعرف أمي، لكنها كانت تعرف، ولم تفاتحني في الأمر حتى سافرت بعيدا، وأخي الأكبر لم يرحب في البداية، لكن أصبحنا نتبادل السجائر بعدها، ولم يقتنع أبي بإجابتي عندما سألني لماذا أدخن؟.. فقلت إن هناك أشياء نفعلها بدون سبب.

بعد إضاعة الكثير من الوقت.. أتعلم بالطريقة الصعبة، كصعوبة كتابة نص جيد، أن أقابل الرفض بالرفض، والتجاهل بالتجاهل، وألا أحب من لا يراني لأنني لا أرتدي طاقية الإخفاء!

"أنا رابط الجأش
أقف حرا، في الطبيعة
سيد الجميع، وخادم الجميع
منتصبا وسط الأشياء غير المعقولة
متشربا مثلها
سلبيا مثلها
متقبلا، وصامتا، مثلها
رائيا عملي، بؤسي، ورداءتي، ومواطن ضعفي، وجرائمي
أقل أهمية مما ظننت.
إنني، في بحر المكسيك، أو مانهاتن، أو تنيسي
أو بعيدا في بحر الشمال 
أو في وسط البلاد
رجل نهري، أو ساكن غابة
أو في زراعة هذه الولايات
أو على الساحل
أو على بحيرات كندا،
سأكون حيثما عشت حياتي
متوازن الذات أمام الطارئات
لأواجه الليل والعواصف
والجوع والسخف
والحوادث والإخفاقات،
كما تفعل الأشجار والحيوانات".

*الشاعر الأميركي "والت ويتمان". ترجمة "سعدي يوسف".

دلالات