أنت لست موجوداً في السيستم يا علي "شيان شانغ"

أنت لست موجوداً في السيستم يا علي "شيان شانغ"

28 مايو 2022
+ الخط -

السيستم واقع، هذه العبارة السحرية التي تتردد في أرجاء جميع المصالح الحكومية والبنوك وتمتد أحياناً لمحلات السوبر ماركت والمستشفيات. أصبحت جزءاً أصيلاً من حياة المصريين اليومية. ولأن المصري معروف "بجبروته" وقدرته الخارقة على التأقلم مع البيئة المحيطة، فقد جلبت تلك العادة معي إلى الصين، وورطت المليون أجنبي الذين يعيشون في المملكة الوسطى.

دعني أحكي لك الحكاية من البداية، اللغة الصينية تتألف من رموز، والأسماء الصينية تتكون من لقب + اسم، عكس الأسماء الغربية التي تبدأ بالاسم ثم اللقب، وأسماؤهم عبارة عن رمزين إلى أربعة رموز ولا تزيد على ذلك بأمر القانون، إلا في حالات قليلة يسمح فيها بتجاوز هذا الحاجز، وذلك إذا كان الشخص ينتمي لإحدى الأقليات العرقية.

 لذلك، يواجه الأجنبي مشكلة كبيرة هنا في المصالح الحكومية والمستشفيات وفي أثناء أي إجراء يتطلب إدخال البيانات إلكترونياً، وهي كثيرة، لأن عصر المعاملات الورقية، في البلد الذي اخترع الورق، قد انتهى منذ عقد على الأقل، وأغلب المعاملات "لا ورقية". يزداد الأمر تعقيداً إذا كنت من بلد مثل مصر، تُكتب فيها أسماء عائلتك الممتدة في خانة الاسم.

تجلس أمام الموظف ثم تبدأ المسرحية الهزلية الحزينة، يعرف الأجانب في الصين نظرة الحيرة التي تعلو أوجه الموظفين حينما يرون اسماً بهذا الطول. فذلك الموظف الغلبان، منذ أن خلقه الله وعرف القراءة لا يرى سوى أسماء لا تتجاوز أربعة رموز، وفي أفضل الأحوال، يرى أسماء غربية في التلفزيون وعلى الإنترنت تتألف من كلمتين، هما الاسم واللقب على غرار توم كروز، نيكولاس كيج، كريستاينو رونالدو وهكذا.

تجلس أمام الموظف ثم تبدأ المسرحية الهزلية الحزينة، يعرف الأجانب في الصين نظرة الحيرة التي تعلو أوجه الموظفين حينما يرون اسماً بهذا الطول

بعد التفحص بعناية لمدة تزيد على العشر دقائق، وسؤال مديريه للتأكد من كنه ذلك الاسم العجيب، يعود إليّ بالسؤال المنطقي التالي وهو أين الاسم وأين اللقب يا سيد؟ أشير له - بصبر - لأنني اعتدت ذلك طبعاً، أن الاسم الأول هو "الاسم" وسلسلة الأسماء التالية هي اللقب، أو العكس حسب مزاجي في ذلك اليوم، فليس لدينا في جواز السفر ما يشير حقاً إلى الفرق بين الاسم واللقب. يهرش الموظف رأسه، ويقول الكلمة الصينية التي ستتكرر أكثر من 100 مرة خلال هذه الجلسة: "أوووه، هو كذلك" دونغلا (فهمت). 

يحاول الموظف الغلبان جاهداً إدخال اسمك المكون من 25 حرفاً إذا كان محظوظاً، وسيكون أتعس حظاً إذا كان اسمك مركباً أو اسمك واسم أبيك وجدك تبدأ بعبد… يضرب الموظف المفاتيح بصبر كبير يفقده بعد الحرف رقم 15، ويتصبب عرقه عند الحرف رقم 20، ويلعن الطائرة التي جلبتك الى هذه البلد عند الحرف قبل الأخير. أواه، يا له من عمل شاق، 25 حرفاً، يعود بظهره إلى الوراء، ينظر إلى الحروف المرصوصة بجانب بعضها برضاً، ويقول لنفسه: أنا بارع حقا! سأخبر أقراني الليلة عن هذا الاسم العجيب بينما نحتسي الجعة ونلتهم أسياخ كباب شينجيانغ اللذيذة. 

يرفع يده في الهواء لضغط زر "إنتر" بقوة من يرمي جمرات الحج، ليهشم رأس ذلك الاسم الذي أتعبه. تعلو يده ببطء، يلوح بإصبعه السبابة في وضع الهبوط، وعلامات السعادة والانتصار والانتشاء على وجهه. تتسع ابتسامته لتصل إلى أذنيه، ثم وبوووووووووفوم، يضغط زر "الإنتر" اللعين، ولكن رسالة "إيرور" تغطي الشاشة بلون أحمر!! يتدلى فكه الأسفل من الدهشة، ماذا يحدث!! يضرب مرات ومرات على زر الإنتر، لا لا لا، مستحيل، إنها 25 حرفاً أيها الحاسوب اللعين، فلتدعن أمر للصفحة التالية وإلا كسرت دماغك، يتصبب الموظف عرقاً، يلتقط منديلاً، يمسح جبينه ويشرب بعض الماء ليحاول تهدئة نفسه. وأنا بالطبع أجلس في هدوء أعبث بشاشة هاتفي وأسترق النظر دون التدخل بالنصيحة أو السؤال أو التعجب أو التأفف، لأنني أعلم السيناريو الذي يتكرر منذ أكثر من 14 عاماً قضيتها في الصين. يُجري الموظف العديد من الاتصالات، ويسأل مديريه مرات ومرات، ومديروه يسألون إدارة الفرع الرئيسي أو مصلحة الهجرة عن ذلك الاسم العجيب وكيفية التعامل معه. 

يصلون في النهاية إلى بعض الحلول التوفيقية الوسطية، كأن يكتبوا اسمك الثلاثي أو أول عشرة أحرف من اسمك بصرف النظر عما إذا كان ذلك يمثل اسماً كاملاً أم لا، فقد تجد اسمك على سبيل المثال: محمد عبد السمي بدون الحرف الأخير لاسم سمي(ع). أو أن يكتب اسمك بدون مسافات فيكون مثلاً محمدعبدالسميعمحد. وإذا كنت سيئ الحظ، أو في مؤسسة حكومية لم تتعامل مع الأجانب من قبل، فسيقول لك العبارة الخالدة والتي يحفظها الأجانب عن ظهر قلب: آسف يا علي شيان شانغ (تعني سيد أو أستاذ) لا يمكننا إدخال بياناتك إلى السيستم، فأنت لست موجوداً في السيستم من الأساس.

فلنحمد الله جميعاً على عبارة " السيستم واقع" التي نسمعها في مصر، فعلى الأقل، هناك سيستم وأنت موجود فيه، إلا أنه "واقع" لبعض الوقت، وسيعود بالسلامة. أما هنا، فأنت لست موجوداً في السيستم يا صاحب الاسم الطويل! 

علي ثابت/
علي ثابت
مترجم ومراجع لغوي من الصينية إلى العربية. خبير لغوي بالمجموعة الصينية للنشر الدولي في بكين. عملت مسبقاً صحفياً ومراجعاً لغوياً بشبكة الصين الإخبارية. وترجمت عدة أعمال من الصينية إلى العربية. كاتب حر مهتم بالشأن الصيني واللغة الصينية. أعيش في الصين منذ عام 2008 وحتى الآن.