أزمة العلاقات في حياتنا اليومية
في غمرةِ الحياة السريعة والأساليب الاستهلاكية لسلوكنا، نسعى إلى تكوين علاقات ذات قيمة مُضافة وجادة في حياتنا، تساعدنا في تحسين أنفسنا، وتواسي خيباتنا ومآسينا. ولكن، ما إن نكوّن هذه العلاقات حتى تُباغتنا بمشاكلها، ثم تنتهي.
لذا، هذه المدوّنة هي دعوة لاستكشاف أصل المشكلة: لماذا تنتهي علاقتنا الاجتماعية بسهولة بعد أن نكوّنها بصعوبة؟
مشكلة العلاقات الاجتماعية على صعيد الذات
في بداية تكويننا لعلاقاتنا، نفتح ثغرات أو ثقوباً سوداء مُظلمة أمام الآخر، يتبدّى فيها تعلّقنا واحتياجنا ونشاطنا المستمر للحصول على التقدير من الآخر الذي يترجم هذه العيوب إلى أنك شخص منخفض القيمة، فيبدأ بالتهاون في قيمتك الذاتية، ممّا يدفعه إلى سلوك اللامبالاة تارةً، والتجاهل تارةً أخرى. وفي حالات قصوى، قد يعمد إلى تأخير إشباع احتياجاتك قصداً، ثم يستبدلك.
يكمن الحل في أن توضح الحدود بينك وبين الآخر، فلا تسمح بإلقاء نفسك عليه ولا تسمح له بالمقابل بمعاملتك من دون ودّية. تذكر أنّك أنت من تتيح للآخرين وتسمح لهم بكسر حدودك. لذا حدّد لنفسك من البداية الحدود والضوابط والأمور المسموحة، ولا تتجاهل أيّ سلوك لا يرضيك في بداية العلاقات. وضّح حدودك، وإذ لم يحترم الآخر ذلك انسحب، فاحترامك لذاتك أولى.
مشكلة العلاقات الاجتماعية على صعيد الآخر
الآخر أزمته أخلاقية؛ فهو يحاول الهرب من التوقّعات العالية التي وضعتها له. ولكن، التوقّعات ليست دائماً سلبية، بل هي ميثاق ضمني يحدّد الواجبات والحقوق. فعلى سبيل المثال، إذا حادثتك، أتوقّع منك أن تردّ عليّ بأقرب وقتٍ ممكن. إذا كنت مشتاقاً لك، أتوقّع منك أن نلتقي.
إذن، التوقّع ليس مثالياً، بل كما يقال "فيفتي فيفتي"؛ أقوم لك بشيء، وأتوقّع أن تقوم بشيء ما في المقابل لضمان سلاسة وإيقاع العلاقة والمحافظة على مبادئ الحقوق والواجبات. وهي مبادئ أخلاقية تحكم أيّ علاقة كانت، ومن دونها لن نستطيع حتى أن نبني علاقة مع حيوانٍ أليف!
وضّح حدودك، وإذ لم يحترم الآخر ذلك انسحب، فاحترامك لذاتك أولى
لذا، ما يفعله الآخر هو الهروب من التوقّعات العالية. وهذه أزمة أخلاقية تشير إلى أنّه لا يريد الالتزام بواجباته، بل يريد أخذ حقوقه كاملة دون أن يعطي في المقابل. وغالباً ما يعود سبب المشكلة إلى عقدة الاستحقاق، أي الشعور بأنّني أستحقّ أكثر ممّا يستحقّه الآخرون.
يكمن الحل هنا في مراجعة نمط هذا الشخص وتحديد تفضيلاتك، ومن خلال ذلك؛ يمكنك الانسحاب والرحيل بروح هادئة مطمئنّة، وبقناعة تامة أنّ هذا الشخص لا يناسبك، وأنّك تفسح المجال لشخص مناسب أكثر بدلاً من حشو مساحتك الاجتماعية بشخص غير ملائم ويعطّل عليك علاقات أخرى تبدو أكثر فائدةً ورصانةً من تلك.
مشكلة العلاقات الاجتماعية على صعيد الموضوع
العلاقات في العموم تحكمها المصالح الخاصّة وتسيّرها الخدمات المتبادلة. لذا، لا تتوقّع على الإطلاق، في عصر استهلاك العلاقات الاجتماعية، أن تنتج علاقة جادّة طويلة الأمد. فكلّ من تعرفه الآن أو عرفتهم في الأمس، كانوا مراحل تجسّد مصالح وخدمات خاصّة.
الحل أن تدخل في العلاقة بروح مستغنية، أي عندما تعرف أنّ هذه العلاقة تحكمها مصلحة ما وتحدّد المصلحة بوضوح، فأنت قادر على السير فيها بتوازن، وقادر كذلك على سوقها إلى حيث تريد، دون أن تسبّب لك ألماً نفسياً أو أذىً معنوياً. فأنت تعرف الطريق والمصير قبل أن ينتهي.
يتضح من خلال ذلك أنّ مشكلة عدم استمرارنا في علاقاتنا وزوالها بسرعة هي مشكلة مركّبة من الذات، والآخر، والموضوع. ويمكننا الخلاص من ذلك من خلال تحديد وتوضيح حدودنا، ومراجعة نمط الشخص وتحديد تفضيلاتنا، وفهم أنّ العلاقات هي مصالح وخدمات خاصّة تتغيّر بتغيّر الظرف والمكان والزمان.