"فتحماس" المصطلح الأدق لتوصيف المشهد الفلسطيني

"فتحماس" المصطلح الأدق لتوصيف المشهد الفلسطيني

14 فبراير 2021
+ الخط -

"فتحماس" ليس خطأ لغويا، على العكس يتوفر هذا المصطلح -الذي سجلت حقوق ملكيته الفكرية-على بلاغة لغوية في توصيف المشهد الفلسطيني الذي ابتدأت فيه حركة حماس من حيث انتهت فتح، فحرف "الحاء" الموصول مقصود بعناية، إذ تشير التحولات الأخيرة لدى حركة حماس إلى أنها انتهت بعد مسيرة مقاومتها الطويلة إلى تكرار تجربة فتح بشكل أو بآخر، عبر الولوج لمصيدة الانتخابات، والدخول لشباك أوسلو المُفصَّلة إسرائيليا وأميركيا.

فعقب اغتيال الشيخ أحمد ياسين مؤسس وزعيم حركة حماس في 22 مارس 2004، وعقبها اغتيال ياسر عرفات مؤسس وزعيم حركة فتح ووفاته في 11 نوفمبر 2004، شهدت الحركتان انفلاتا سياسيا واضحا، الأولى دخلت لانتخابات 2006 التي كانت بمثابة فخ أميركي بامتياز، والثانية عادت مرة أخرى للمقاربة التي اكتشف مؤسسها عرفات نفسه فشلها ودفع روحه ثمنا لذلك، أقصد أن "فتح محمود عباس" أعادت الحركة بشكل أكثر بؤسا لعملية السلام الميتة منذ 2000،رغم أن عرفات مؤسس ومهندس أوسلو نفسه قد اكتشف أنه خُدِع وأن إسرائيل استخدمت أوسلوا لإنهاء انتفاضة 1987 فقط، ولم ترد تسليمه دولة بل أرادت تحويله من زعيم  إلى ضابط يدير مخفرا أمنيا يسهر على أمن الاحتلال.

أما حماس فرغم حروبها الباسلة في مواجهة الاحتلال، ومراكمة قوتها في القطاع، إلا أنها حُوصرت بالسلطة، وقُيدت بحساباتها، وتحولت جراء وهم الانتخابات و"الجمع بين السلطة والمقاومة" تحولت إلى حزب سياسي تحت الاحتلال، باختصار حماس وفتح  وقعتا في ذات الخطأ بالتحول من حركات مقاومة إلى أحزاب سياسية تحت الاحتلال، وهنا مكمن الأزمة الفلسطينية، ومربط الفرس كما يقال في عملية التيه الذي دخلتها القضية الفلسطينية منذ أوسلو 1993 بتوريط أبو عمار للشعب الفلسطيني بفخ أوسلو، ومن ثم في 2006 بتَوَرُّط حماس بالسلطة، تسببت الحركتان في تحويل الشعب الفلسطيني من شعب يقاوم تحت الاحتلال، إلى شعب يتقاتل تحت الاحتلال، في الحالة الأولى كان الاحتلال الإسرائيلي يتحمل فاتورة احتلاله، أما في الحالة الثانية فقد تكفلت فتح وحماس بالأعباء وأعفت الاحتلال من مسؤولياته المكفولة دوليا تجاه من يحتله، ليصبح احتلالا مجانيا فريدا.

على حماس وفتح أن يخبرا الشعب الفلسطيني متى سيحلان هذه السلط المتوهمة، أو يغيروا وظيفتها، على فتح وحماس أن يخبرا الشعب الفلسطيني ماذا حصل بـ"القيادة الوطنية الموحدة للمقاومة الشعبية"

إن وهم السلطة المتخيلة التي اعتقدت فتح أنها ستقودها للدولة قد جر الويلات على الشعب الفلسطيني، وينبغي محاكمة من اتخذ قرار التوقيع على أوسلو ووافق على الاعتراف بالاحتلال الإسرائيلي والعمل وكيلا أمنيا لاحقا له، وعليه المغادرة فورا، بدلا من الاستمرار في توريط الشعب الفلسطيني، لكن المفارقة أن من وقع على أوسلو يحمل اليوم صفة "الرئيس الفلسطيني" أي أنه تمت ترقيته بدلا من محاكمته وعزله.

فليس هناك فرق اليوم بتقديري بين المشاركة في الانتخابات أو مقاطعتها، وليس هناك فرق إذا حصلت مصالحة أم لم تحصل، المهم برأيي هو أن تقول لنا فتح أولا ما هو برنامجها لتخليصنا من أوسلو وسلطته المتخيلة، و28 عاما من الوهم الذي لم يكن له علاقة بالمشروع الوطني ولا بالقضية الفلسطينية وإنما خدمة لسلطة راكم من أنشأها مصالح خاصة به وبمن حوله، إذ ليس للشعب الفلسطيني مصلحة في استمرارها بهذا الشكل، وإنما إما أن تُغيِّر أو تَتَغيَّر، كما أن على حماس أن تقول لنا متى ستتحلَّل من العملية السياسية وتعود حركة مقاومة.

على حماس وفتح أن يخبرا الشعب الفلسطيني متى سيحلان هذه السلط المتوهمة، أو يغيروا وظيفتها، على فتح وحماس أن يخبرا الشعب الفلسطيني ماذا حصل بـ"القيادة الوطنية الموحدة للمقاومة الشعبية" وبيانها الأول الذي أذاعه التلفزيون الرسمي الفلسطيني، يوم الأحد 13 سبتمبر 2020  الذي يبدو أنه الأخير، على فتح وحماس أن يقولا للشعب الفلسطيني متى سينهيان الاحتلال المجاني ويلقيان مفاتيح سلطة أوسلو في القمامة عوضا عن تسليمها للاحتلال، باختصار متى سنعود لما قبل 13 سبتمبر 1993، شعب تحت الاحتلال يقاوم الاحتلال، ودولة احتلال تتحمل مسؤولياتها تجاه الشعب المحتل، وننهي احتلال "الديلوكس" المجاني العجيب جدا.

C2A96DF8-EEBE-40B9-B295-1C93BEABA19C
محمد أمين
كاتب وإعلامي فلسطيني مقيم في لندن، أكمل الماجستير في الإعلام في جامعة برونل غرب لندن.عمل صحافياً ومنتجاً تلفزيونياً لعدد من البرامج التلفزيونية والأفلام الوثائقية لصالح عدد من القنوات العربية والأجنبية، يكتب حالياً في شؤون الشرق الأوسط ويختص في الشأن الفلسطيني.