"أول سبع خطوات" والتراث الشعبي

"أول سبع خطوات" والتراث الشعبي

11 مايو 2021
+ الخط -

أثناء حديثي بإحدى غرف "الكلوب هاوس"، وقراءة "بيان السبع خطوات الأولى"، أضاءت ذاكرتي فجأة بضوء خافت ينسدل من أشعة الشمس في أحد مداخل البيوت القديمة بمنطقة دار السلام الشعبية، حيث نشأت، وتذكرت ما كان يحدث من تأخر في المشي مع أطفال المنطقة..

كانت الأم تحضر طفلها وقت أذان صلاة الجمعة بمدخل بيتنا، والذي قدر الله أن يكون متسعا بشكل ما مقارنة بباقي مداخل المنطقة، لتبدأ طقوس فك العقدة، وترديد الأربع كلمات السحرية والتي يسبقها الدعاء لله بأن يكون هذا العمل سببا في مشيه، في ما يعرف شعبيا بـ"سد أبيار الطفل"، حيث تمسك الأم ابنها، وهي تقف خلفه، متخذا وضعية المشي، وتقف أمام الطفل إحدى السيدات، وجهها في وجهه، وبيدها سكين تسحبها على الأرض وتقول: "انشقي يا أرض"، ويخطو الطفل بمساعدة أمه، ثم تقطع السيدة هذا الخط الوهمي بالسكين بشكل عكسي وتقول: "انسد يا بير"، وتتكرر هذه الكلمات سبع مرات ليخطو الطفل سبع خطوات.

تذكرت هذا الفعل وهذه الخطوات السبع الأولى التي يخطوها الطفل بمساعدة آخرين، وتمنيت أن يكون هذا البيان الصادر عن خمس منظمات حقوقية بمثابة الخطوات السبع الأولى التي تخطوها حالة حقوق الإنسان في مصر، نحو وقف التدهور غير المسبوق الذي تشهده أوضاع حقوق الإنسان على مدار الأعوام الماضية.

اعتبرت المنظمات أن الخطوات السبع "تمثل الحد الأدنى من الإجراءات القابلة جميعًا للتنفيذ الفوري بمجرد صدور قرار سياسي. وأضافت أن تنفيذ هذه الخطوات السبع الأولى من عدمه هو الاختبار الحقيقي لجدية أي تعهدات رسمية، تتردد في الآونة الأخيرة، حول إصلاحات أو "انفراجة" في الملف الحقوقي".

بهذه الصياغة تخطي البيان إشكالية تصنيف المحاكمة، والاتهامات التي وجهت خلال عملية التقاضي، ولجأت لمعيار محدد وهو تصنيف السجين داخل محبسه وهو أمر محسوم منذ لحظة الاحتجاز

سبع خطوات تأسيسية نحو انفراجة حقوقية

حددت المبادرة خطوات سبعاً يجب تنفيذها كمعيار لجدية أي تعهدات رسمية، ويترتب على تنفيذ الخطوات السبع تحسن ملحوظ في وضعية حقوق الإنسان في مصر، لا سيما أنها شملت حزماً مختلفة من الحقوق..

الحزمة الأولى: الحرية والأمان الشخصي.
الثانية: الحق في الحياة.
الثالثة: حقوق منصفة للنساء بالمجتمع.
الحزمة الرابعة: إعادة فتح المجال.
الحزمة الخامسة: حرية الرأي والتعبير.

الحزمة الأولى: الحرية والأمان الشخصي:

- الإفراج عن السجناء السياسيين المحبوسين احتياطيًا أو المحكوم عليهم، من جميع التيارات السياسية، بالآلاف بسبب نشاطهم السلمي.

- إنهاء الحبس الاحتياطي المطول ومفتوح المدة ووقف "تدوير" السجناء السياسيين كمتهمين في عدة قضايا لإبقائهم في السجون.

وضعت هذه الحزمة معيارين شديدي الوضوح والتحديد، وهما:

المعيار الأول: الإفراج عن السجناء والمحبوسين احتياطيا من جميع التيارات السياسية.

وبهذه الصياغة تخطى البيان إشكالية تصنيف المحاكمة، والاتهامات التي وجهت خلال عملية التقاضي، ولجأت لمعيار محدد وهو تصنيف السجين داخل محبسه، وهو أمر محسوم منذ لحظة الاحتجاز بما يعرف داخل السجون بالتذكرة، وهي النموذج الذي يحتوي على بيانات المسجون كاملة، اسمه وتهمته ومدة العقوبة، ويكتب على هذه التذكرة إذا ما كان السجين سياسياً أم جنائياً، بغض النظر عن الاتهامات الموجهة إليه بأوراق القضية. ويترتب على بيانات هذه التذكرة تحديد العنبر الذي سيتم فيه احتجاز المتهم، سواء كان سياسياً أو جنائياً.

المعيار الثاني: وهو أن يكون سبب سجنهم ممارسة نشاطهم السلمي.

تجاوز البيان معضلة الحديث عن الإفراج عن المساجين السياسيين، وما يتبعها من ضرورة الفصل بين من انخرط في جرائم عنيفة من عدمه، وما يتبعها من استحالة التفرقة بينهم بسبب توجيه قائمة الاتهامات من انتماء لجماعه إرهابية ومحاولة قلب نظام الحكم لكل المسجونين، سواء كتاب الرأي أو المتظاهرون وغيرهم.

كما أكدت هذه الحزمة على ضرورة تطبيق صحيح القانون في ما يتعلق بمدد الحبس الاحتياطي، وعدم استخدامه كعقوبة تطاول المعارضين السياسيين، وما يصحب ذلك من تفريغ نصوص القانون من مضمونها، والتي اعتبرت الحبس الاحتياطي إجراء احترازياً وليس عقوبة.

الحزمة الثانية: الحق في الحياة

- تأجيل تنفيذ جميع أحكام الإعدام الصادرة في قضايا جنائية أو سياسية، وعرضها على لجنة مختصة للعفو الرئاسي قبل تنفيذها.

انخفض سقف المنظمات الحقوقية المصرية التي لطالما نادت بإلغاء عقوبة الإعدام، ثم طورت خطابها ليصبح أكثر قابلة للتنفيذ مع الأوضاع المتردية في مصر، وأصبح وقف تنفيذ عقوبة الإعدام، والآن تقدم المزيد من التراجع وترفع مطلبا محددا، وهو تأجيل تنفيذ العقوبة لحين تشكيل لجنة مختصة للعفو الرئاسي تراجع ملابسات القضايا والظروف السياسية التي صدرت فيها هذه الأحكام، في محاولة أخيرة للحفاظ على حق الحياة للسجناء المصريين، ولم تفرق هذه الخطوة بين المسجون السياسي والجنائي، فالحياة حق للجميع.

الحزمة الثالثة: حقوق منصفة للنساء بالمجتمع

- سحب مشروع قانون الأحوال الشخصية وإطلاق حوار مجتمعي بشأن قانون عادل للأسرة يكفل الحقوق المتساوية للنساء.

تحول هذه الخطوة بين أوضاع النساء بمصر الآن وما قد تتعرض له من تدهور غير مسبوق إذا مرر هذا التشريع دون حوار مجتمعي حقيقي.

الحزمة الرابعة: إعادة فتح المجال العام

- رفع حالة الطوارئ المفروضة منذ 2017 بالمخالفة للدستور، والمستخدمة في تعطيل كافة الحريات الأساسية وحقوق المحاكمة العادلة.

- إنهاء الملاحقة الجنائية للمدافعين عن حقوق الإنسان وإغلاق القضية 173 لسنة 2011 ضد منظمات المجتمع المدني.

وما يترتب على تنفيذ هذه الخطوات هو تمكين المجتمع واستعادة أدوات يستطيع من خلالها انتزاع مساحات أخرى من المجال العام. فرفع حالة الطوارئ، التي تشهدها البلاد منذ عام 2017 وحتى الآن دون توقف بالمخالفة للدستور، يترتب عليه إلغاء المحاكمات الاستثنائية، كما يترتب على إنهاء القضية 173 رفع قيود السفر والتحفظ على أموال العديد من المنظمات، وعودة هذه المنظمات للعمل بطاقتها الكاملة.

الحزمة الخامسة: حرية الرأي والتعبير

- رفع الحجب عن مواقع الإنترنت والصحف الرقمية، والتي تجاوز عددها 600 موقع محجوب بالمخالفة للقانون وبدون حكم قضائي.

ورفع الحجب عن مواقع الإنترنت والصحف الإلكترونية يعني عودة عدد من المنصات الرقمية للعمل في مصر، ما يترتب عليه فتحاً لمجال حرية الرأي والتعبير، التي تمت مصادرتها بشكل كامل بعد سيطرة الأجهزة الأمنية والمخابراتية على كافة المنصات الإعلامية في مصر.

في الختام، يجب التأكيد على أن هذه الخطوات السبع لا يمكن اعتبارها مجتمعة سوى خطوة أولى نحو إثبات جدية أي تعهدات رسمية تتردد في الآونة الأخيرة، حول إصلاحات أو "انفراجة" في الملف الحقوقي".