سنة أولى "بابا"

سنة أولى "بابا"

30 نوفمبر 2016
+ الخط -
 

أكاد أجزم أن كل ما تعلمته في سنواتي الـ31 الماضية، وبدون مبالغة، لا يعادل ما تعلمته في السنة الماضية... وهي "سنة أولى بابا"؛ هذه السنة هي أشبه بميدان تطبيقي إذ تتعلم وتطبق فيها ما تعلمته خلال سنواتك الماضية.

أن تكون أبا ليس سهلا... الأمر يحتاج إلى أشياء لم تتعلمها مسبقا أو فكرت حتى في تعلمها. فجأة يصبح لديك طفل ويتوجب عليك التعامل مع هذا الإنسان الصغير بكل ما تملكه من مشاعر وأحاسيس وصبر وهدوء وأشياء كثيرة جداً سأحاول ذكر بعضها.

قررت أن تصبح أباً؟ إذا أنت أمام رحلة شاقة تبدأ من أول يوم تعرف فيها بأن زوجتك حامل ولا تنتهي بالطبع بالولادة، تتغير حياتك وتتشقلب، فكل ما كنت تقوم به بشكل طبيعي في حياتك يصبح ممنوعا وغير عادي لزوجتك وطفلك القادم. رائحة ملابسك، الطعام، وكل تفاصيل حياتك، تصبح في دائرة وضع زوجتك خلال الحمل منذ الشهر الأول وحتى قبل الولادة.

قررت أن تصبح أباً؟ إذا عليك أن تعيش ساعات ولادة طفلك، وستكون أمام اختبار صعب للغاية إن رافقت زوجتك داخل غرفة العمليات أثناء الولادة، تنظر إلى زوجتك وهي تتألم وفجأة يمر شريط الذكريات من أول يوم تعرفت فيه عليها إلى وضعها بهذا الشكل في غرفة العمليات وصراخها، وليس في يدك شيء يمكن أن تقدمه غير الدعم المعنوي. لكن كل هذا يبدأ بالتلاشي بمجرد أن تسمع صراخ طفلك منهياً هذه العذابات لوالدته ولك.

خلال الأسابيع الأولى تشعر بأنك غير قادر تماماً على تحمل مثل هكذا مسؤولية. فجأة يصبح معك في المنزل طفل صغير يحتاج إلى رعاية وعناية مختلفة. ويتوجب عليك أن تستمع إليه وتعرف ماذا يريد من دون أن يتكلم. عليك أن تعرف لماذا يبكي ومتى يكون بكاه يعني حاجته للطعام، أو أي متطلبات أخرى، وقد يكون طفلك الصغير مريضاً ويتألم، ويجب عليك أن تعرف كيف تتصرف بشكل صحيح.

قررت أن تصبح أباً؟ إذا عليك أن تعلم بأن ليلك سيتحول إلى نهار والعكس. إذا كان طفلك بخير ستسهر للعب معه وتلبية متطلباته. أما إن كان يشعر بالمرض، فعليك أن تقوم بواجباتك تجاهه. ويتوجب عليك أن تتحول إلى طبيب من أجل طفلك وتعرف ما الذي يعاني منه.

تمر الأشهر الأولى بسرعة وستتغير ملامح طفلك، ومعها ستتغير أشياء كثيرة في حياتك. ستشعر بأن طفلك الصغير هذا قد أرغمك على تعلم كل شيء يتعلق به. ستكون قادراً على التمييز متى يكون طفلك على غير طبيعته. وستكون أيضاً قد خبرت طباعه، وفهمت كيف يمكنك أن تجعله سعيداً، ما الذي يحبه وما الذي يكرهه. وفي خضم كل هذا، ستتطور علاقتكم بعضكم ببعض إلى درجة كبيرة للغاية. سيصبح هذا الطفل هو العالم بالنسبة لك ولوالدته، وستكونان عالمه الجميل والآمن.

يبلغ عمر طفلك عاماً فتشعر بأنك قد أصبحت خبيراً في شؤونه، تفهمه بشكل أسرع وتعمل على حل أي مشكلة يمر بها. يبدأ في محاولات التحدث إليك بلغته، ويناديك بطلاقه: بابا، تشعر حينها أن هذه الكلمة فقط كفيلة بمحو آثار كل ليالي السهر والتعب وتشعر بأنها قد أعطتك طاقة إضافية لمواصلة مشوار الأبوة نحو سنوات جديدة لا تعلم ماذا تخبئ لك ولطفلك.

سنة أولى، وسنوات مقبلة أجمل حبيبتي ميار.

صدام الكمالي
صدام الكمالي
صحافي يمني. سكرتير التحرير المساعد في موقع "العربي الجديد". معد ومقدّم بودكاست "مواكبة".