حزب الاندهاش القومي العربي

حزب الاندهاش القومي العربي

29 نوفمبر 2016
+ الخط -

ثمة حزب عربي جديد/ قديم، يتشكل عابراً للقطرية، محتفظاً بكل أدبيات القوميين العرب القدامى، في زمن تغيرت فيه وتبدلت، بل وانقلبت كثير من المفاهيم، والرؤى، والتصورات؛ ربما من باب الحنين لأمجاد لم يتحقق منها شيء، لا لصعوبتها، واستحالة تنفيذها، لكنها لم تتحقق بالأساس لفساد واضح، وعوار فاضح في تفكير القائمين عليها، خاصة من انتزعوا عنوة مقاعد القيادة، واختاروا لأنفسهم لقب "النخبة".

النكبات والهزائم، والنكسات، العربية، حدثت في زمن ارتفعت فيه، وسادت مناهج الترويج للقومية العربية. ومن المهم هنا التأكيد، على أنها لم تحدث بسببها، ولا حتى بسبب خلل في جوهر الفكرة؛ فقد كانت ومازالت صالحة لتحقيق قدر كبير من النجاح والفعالية، بل وتحقيق انتصارات ومنجزات مهمة، اقتصادية، ومجتمعية، وسياسية، ومن ثم عسكرية على العدو الأول، "الافتراضي"، وأعني به "الكيان الصهيوني" بالطبع.   

لماذا إذن تسارعت وتيرة الانهيارات في زمن "القومية العربية"، إلى الحد الذي مازلنا نعاني منه، ومن تبعاته حتى الآن؟ إلى الدرجة التي تجعل حديث الآحاد من القوميين العرب، عن الفكرة، وأبطالها، ورموزها، مدعاة للرثاء، والبكاء، وسخرية آخرين، ومن قبل ومن بعد شماتة وتشفي من رافضي الفكرة، لأسباب تتعلق بالمبدأ، أو إعلاء لقيم أخرى، بعضها يصنف معادياً للعرب، والعروبة، وما يتصل بهما!  


تقديري، أن مبعث ذلك بالأساس، يعود إلى الحزب الجديد، الذي يتشكل، ويتمدد، ويتوسع، إعلامياً، في البلاد العربية، وخارجها، وأسميه "حزب الاندهاش القومي العربي". وقد لا تتجاوز كثيراً إن أضفت إلى اسمه "الليبرالي"، وربما تكون محقاً ومدققاً، إلى حد بعيد، إذا تهورت وألحقت به "الفاشستي"؛ ذلك أن ما تبديه أدبيات هذا الحزب تكشف بوضوح عن انحياز مخجل لبطش المستبدين، وظلم الطغاة من الحكام، تحت دعاوى، هي بعينها التوصيف الدقيق، والتجسيد الحي، لكل معاني الفاشية، في أقبح صورها وتجلياتها.

 

نخبة الحزب الجديد، ومنظروه من المستحدثين، تعلن بوضوح أنها غير معنية كثيراً بتوصيف الانقلاب العسكري في مصر، وجرائمه ضد الإنسانية، هي فقط "مندهشة"، من عدم قدرة قائده على إدارة الاقتصاد!

هي أيضاً "مندهشة"، لأن الإعلام الموالي لقائد الانقلاب، يصل إلى حد كبير من اللامهنية!

هي ثالثاً "مندهشة"، لأن في مصر أزمة سكر، أو قمح!

هي رابعاً، وخامساً، وإلى ما بعد عاشراً بعشرات، "مندهشة"، بسبب تفاصيل صغيرة، و"نتائج" تراها غريبة، وكأنها منفصلة عن "المقدمات"، لكنها تصدمك أنها لم تصدم، بل ولم تندهش حتى من المقتلة اليومية للمصريين، على يد سلطة غاشمة فاقت المحتل البريطاني في جرائمه ضد الشعب العربي المصري!

لم "تندهش" نخبة الحزب الجديد، من انحياز النظام المصري الحالي، بصورة عملية، وبعيداً عن شعارات "مسافة السكة"، لكل ما هو ضد العرب والعروبة!

لم " تندهش" مثلاً من الارتماء في الحضن الصهيوني الحميم، لهذا النظام، ولا لحصاره القاسي لشعبنا العربي الفلسطيني في غزة! 

حزب "الاندهاش القومي العربي الوحدوي الليبرالي"، يدهشك، أنه لا يتوقف عن الدهشة من كل التفاصيل التي تبدو هامشية، بالمقارنة مع جرائم جوهرية فادحة؛ لكن هذا الحزب لا يندهش أبداً من إصراره على ادعاء تمسكه بقيم العروبة، والوحدة، والديمقراطية، والتحرر الوطني؛ يرى أنها يمكن أن تتحقق على أيدي قادة هم أقرب لزعماء مافيا تنقض بالسلاح، والتآمر، وإراقة الدم، لكل ما هو عروبي، ووحدوي، وديمقراطي، ووطني حر.


أيها المندهشون العرب، اكفونا شر دهشتكم، وشر غرامكم بالعسكر، والمستبدين، تمسكوا بمقدمات صحيحة، لتحصلوا على نتائج سليمة.

 

 

 

50C80A35-B0FB-49CC-BE88-9A8FC8B80144
نزار قنديل
كاتب وصحافي مصري، مدير مكتب مصر ورئيس قسم المراسلين في موقع وصحيفة "العربي الجديد". عمل في عدد من المؤسسات الإعلامية العربية والمصرية. يعرّف نفسه: كل لحظة تمر، بدون أن تكون لك كلمة حق وخير وجمال، هي وقت ضائع. كل لحظة لا تصمت فيها، إذا لم يكن لديك كلمة نافعة، هي ثرثرة ضارة. بعيداً عن الوقت الضائع، والثرثرة، أحاول أن أكتب. إن شئت فاقرأ ما تيسر من كتابتي.