لا حاجة لتعليق جرس في أعلى النافذة، لقد دخلت أصوات الكائنات كلّها. هذه ليست لطخات طين لزج، ولا كدمات حجارة ألقت بها العاصفة. هذه تاريخ طويل عفن قاسٍ من القهر.
لسنواتٍ أحاول تشريح الوجع، أحاول شقّه نصفين/ فلا أجدُ إلّا أنيناً حزيناً، بألسنة كثيرة/ وأوقاتاً لا شمس فيها ولا قمر/ الزمن يجعل الجراح أكبر وأعمق وأوجع.
هكذا يتمهّل الوقت آن تُفرغ الطائرات حمولتها/ سمعتُ عن رجالٍ تسيل من أصابعهم دماء ضحاياهم/ وسمعت عن نساءٍ يرقصن على عويل الثكالى والأمهات/ هكذا بلغ السيلُ الزُّبَى ولا ربوة في المدى ولا مدى/ بيدي هذه مسحتُ على وجوه أطفال قُتلوا غدراً.
كي تخفف الحزن عن روحك التي صارت جافّة وهشّة، مثل قرن خرّوب ملقى/ ارسمْ كائنات برؤوس عظيمة/ كائنات ترقّ حتى تصبح مثل حبالٍ من مسد/ كائنات تطارد شيئاً يلوح ويختفي أمامها/ كائنات تحملها أقدام عجلى/ إلى صحراء باردة ليس فيها من الحياة إلا الريح.
مدينة ليس فيها من الظلال إلّا/ ما يتبع بشراً منهَكين/ أو بنادق مرفوعة في الهواء/ أو ما يعقب دخان القنابل الساقطة من سماء مثقوبة/ أو جثامين كاملة ومتفرّقة، تحملها أكتاف عجلى/ مدينة يستيقظ أهلها على موت وينامون على موت/ غير أنّها لا تموت!
الولدُ ورث عن أبيه: بحراً على إصبع سبّابة، جبلاً على شقفة فخّار، نهراً يُؤكلُ في قضمتين، حقل ذرة ينضج في الشتاء، شجرة تتدلّى من ربطة عنق، حرباً مؤجّلة منذ قرون، سارية عَلم بلا علم، أصدقاء يختبئون في بطاقة فيزا، اسماً بطول الشمال الأفريقي.
يتمهّلُ قليلاً/ قبل أن يُخفي السحابة في ثنية الكثيب/ قبل أن يصل البريد إلى أصحابه/ قبل أن يعرج في مشيته الكلام/ صارت الحمامة تضع بيضها في قبعته/ "القبّعة غابتي" يقول ضاحكاً.
لا تبحث عن أمّ الثور ولا عن أمّ الحوت. / لا ماء في رمل الوادي./ لا كلام ينثال من جديلة عاشقة./ هي تطلب مسافراً وهو يطلب راحلة.
هي تبدّل أحوالها وهو ينثر في الوديان ثمار البلوط./ هي تسمع وترى وهو يسمع ويرى.