ليست استمرارية النُّخب الإجرامية اعتباطية، فالتوريث يضمن تواجدها جيلاً بعد جيل، وبنيتها الحديدية راسخة على أساس الانتماء العائلي. أمّا الطاعة فعمياء. كما أنّ استمراريتها ليست سوى تحالفاتِها المتينة في الداخل مع مراكز قوى خفيّة.
ليست كلّ القصص شبيهة بقصص بنابليون وهيغل. الزلّات التي ارتكبها مفكّرون وأدباء لم تكن أحياناً أقلّ من خيانة، ليس لبلدانهم فقط، بل لأفكارهم أيضاً. كان مسرح ذلك بعد الحرب العالمية الأولى التي دفعت إلى التشكيك في العقل وإعلان إفلاس المثُل العليا للتنوير.
رغم ما يطالعُنا من لوائح الأجمل والأغنى والأكثر تشويقاً إلّا أن المفارقة تكمنُ في أنّ العالم تعيس ويمضي على وقع الحروب والمجاعات فالقادة والسياسيون والعسكر وهم العظماء صانعو الحروب، لكنهم عاجزون عن صناعة السلام.
يلفتُ آلان دونو نظرنا إلى ملاحظة تدلّ إلى أنّ تكاثر التافهين، وكذلك تعاضدهم، ليس عشوائياً وإنّما عن بصيرة مصلحية ثاقبة، ولا مفاجأة في قوله: "لقد تبوّأ التافِهون موقعَ السّلطة، أي أنّ جهودهم تثمر باحتلال مواقع مهمّة في المجتمع والدولة".
قبل الخوض في قضية شائكة، فلننزع عنهم ما يحيط بهم من هالات، ولننظر إليهم على أنّهم بشر يُخطئون ويصيبون، ويرتكبون حماقات. حياتُهم لا تخلو من فضائح، فلا الذين ينزّهونهم على صواب، ولا الذين يمرّغونهم في الوحل على حق.
دأب ناقدٌ على ترويج تصنيفٍ لكلّ ما كُتب خلال الثورة والحرب السوريتين تحت عنوان "الزلزال"، وكأن ما جرى لم يكن إلّا حادثاً جيولوجياً تعود الأمور إلى طبيعتها من بعده. وهو، أيضاً، طريقة لنفي الثورة وإلحاقها بالإرهاب.
جرى الاعتقاد أنّنا في هذا القرن نشهد التجلّي الكامل للمؤامرة، وأنّ العالم يتحرّك على وقعها من مؤامرة إلى أُخرى، فلم نتخلّص من كورونا إلا وبدأت حرب أوكرانيا، وماذا بعد؟ ربّما حربُ النجوم، هذا لِئلّا نقعدَ خالِي الوفاض بلا مؤامرة.
عادة لا نجد صعوبة في ردّ التطرّف إلى تفسير شائع، وهو أنّ الفقر والجهل هما المناخ الصالح لإنتاج المتطرّفين في مجتمعات متخلّفة. فالفقر أرض خصبة لتفشّيه، وبتآزره مع الجهل، ينتج بشراً ليسوا أقلّ من مجرمين، بمعتقداتهم غير العقلانيّة.
أكلُّ هذا الاستبداد ولا ندوة عن الرواية والطغيان؟ نعرف أنّ هناك روائيّين يصرّحون بأنهم يهتمّون بالرواية وليس الطغيان، فهذا سياسةٌ وليس شأنَ الرواية. إذا كانوا يقصدون فعلاً ما يقولون، فإنّ الطغيان طاول الرواية أيضاً.