تقديم وترجمة: خالد النجار

رغم شهرته الكبيرة، ظلّ الشاعر الإسباني (1898 - 1936)، الذي تمرُّ اليوم الذكرى الـ 87 لاغتياله، مجهولاً، ذلك أنّه غُيِّبَ مرتين؛ مرّة عندما اغتاله الفاشيون في مسقط رأسه في غرناطة، والثانية حين حُجِبَ أيديولوجياً كشاعر، إذ غطى اغتياله على منجزه الشعري.

الآن، وقد وصلَتني من جزيرتك القديمة، هذه القصائد، وهي مختارات من آخر أشعارك، عدتُ إلى قصائد تلك السنوات البعيدة، ولكن، زمنُ الشعرِ يقع خارج الزمن، والشعر دائماً آنيٌّ، فبمجرّد أن تقرأ القصيدة حتّى تشعّ في اللحظة الحاضرة.

ظلّ الشاعر الفرنسي، الذي غادر عالمنا في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، مشدوداً إلى ضوء الشمعة الذي يهتزّ في ظلمة كنيسته الخاصّة؛ وليس كنيسة المؤسَّسة الدينية... ظلّ نائياً عن الموضة والتقليعات الشعرية، ووفيّاً لصوته الداخليّ الخافت.

مضت العزلة الجغرافية بالشاعرة إلى عزلة روحية تجلّت في شعر يتأمّل دراما الوجود ويعبّر عنها، كما شأن الشعراء الذين لا يتخفّون وراء الأيديولوجيا وشعارات القضايا الكبيرة، بل يواجهون أسئلة الداخل التي كثيراً ما يتجنّبها الناس. هنا ترجمة لمختارات من شعرها.

في قصائدها القصيرة، تسعى الشاعرة الأميركية إلى التخلّص من عبء القاموس والوعي، مختارةً الاقتراب أكثر من لغة الحدس والحلم واللاوعي. شاعرةٌ تقيم على التخوم، بين الثقافات واللغات، وتعيد صياغة المكان، بما أنّ المكان ليس سوى تمثّلنا له.

صوتٌ مفرد سرّي ومخاتل أعاد للشعر الفرنسي حيويته وغنائيته التي افتقدها عندما غلب التنظير والتجريد والهوس بالتحديث على الكتابة الشعرية؛ إذ ظلّت قصيدته محتفظةً بالمتعة التي تمنحها لنا النصوص الحقيقية وتغيب عن كثير من النصوص التي تُكتَب اليوم

في بساطة قصائدها شيء من السريالية، بيد أنها تحافظ على ذاك الخيط الذي يشدّها للعالم. أبجديتها الشعرية تمسّ العمق عبر بساطتها ولا تترك القارئ حيادياً. ولكن من هي أوليفيا إلياس التي ظلّت تكتب في عزلتها ثم ظهرت فجأة بثلاثة دواوين؟

لالي ميلدور شاعرة تركية ممتزجة بحلمها، فهي تعيش الواقع كحلم والحلم كواقع، يبدو بناء نصّها الشعري لاعقلانياً، وأبجديتها الشعرية قريبة بالنتيجة من الكتابة الأوتوماتيكية كما عرفها السرياليون؛ كتابة صادرة عن قارة اللاوعي اللانهائية، حيث الخليط البيولوجي والثقافي والجمعي.

كانت دوناتيلا تبدو وكأنها تقرأ من كتابها "الشعر ينقذ الحياة" الذي صدر منذ سنوات، وقبلها لقيتها ذات ربيع في الرباط، كنّا أمام البحر في تلك الظهيرة المتوهجة، وكأننا داخل لوحة لماتيس، ولم تكف يومها أيضاً عن الحديث عن الشعر.