عبدالله جنوف

مغالبة الانقلاب في تونس مواقفُ لا موقفٌ، وفيها قيادةٌ نشيطةٌ بلا قاعدة شعبيّة، والمنتظم الحزبيّ ما زال يفكّر في مواجهة الانقلاب بعقليّة الصراع الحزبيّ وفي دائرة حساب المكاسب الصغيرة، لا في دائرة الدفاع عن المشترك الديمقراطيّ المهدّد.

يدل تاريخ المدرسة التونسيّة على أنّها تنتج العنف، ولم يتغيّر إلّا نوعه، فقد كانت المعاهد الثانويّة والجامعات في السبعينيات والثمانينيات ساحة صراع أيديولوجيّ بين اليساريّين والقوميّين والإسلاميّين، وجرت فيها معارك طاحنة بالأسلحة البيضاء.

حكمُ الرئيس المطلق في تونس، الذي بدأ بالفعل يوم تنصيب حكومته، فيه وهن رمزيّ شديد، فقد خرق قيس سعيّد الدستور بالإجراءات الاستثنائيّة، ثمّ ألغى أكثره بالأحكام الانتقاليّة، وحطّ منزلته فجعله تابعا لأوامره يسقط ما عارضها منه، ثمّ أحرقه أنصاره في وقفتهم.

لعل أهمّ ما نجح فيه الرئيس التونسي، قيس سعيّد، تعميق أزمة التجربة الديمقراطية، فركّز على اضطراب أداء البرلمان، وبالغ في وصف فساد الأحزاب، وقلّل من إنجازات الانتقال الديمقراطيّ، وجعل من أخطاء التجربة مدخلا إلى تبرير الإجراءات الاستثنائيّة التي أعلنها.

يكشف النبز السياسي الذي يتم تداوله تمثّل متعاطي السياسة في تونس للعمل السياسيّ، وتصوّرَهم للاختلاف وإدارته، وللصراع وأدواته ومقاصده. ويبيّن كيف يصنّفون المواطنين تصنيفات دينيّة وجهوية وجندرية تشترك كلّها في جذر عنصريّ، يعتبره النابز معيارا في التصنيف

الأحزاب التونسية غارقة في المعارك الهامشيّة والحسابات الخاطئة التي جعلت بلدهم ورقةً عند الوسطاء الدوليّين، فيما السياسيّون فيها يتصارعون في مشهدٍ يشبه كثيرا صراع الأطفال على قيادة مركبة مُعْطَبَة، شغَلهم بالتنافس على قيادتها من أعطبها.

عمّقت ما سماها الرئيس التونسي، قيس سعيد، التدابير الاستثنائيّة انقسام المجتمع، فغلب على مواقف مؤيّديها تقسيمُ التونسيّين إلى فريقين على قاعدة: إن لم تكن مع الرئيس فأنت مع "النهضة"، ودعوةٌ إلى المحاسبة والمطاردة وحلّ الأحزاب.

أصبحت الشماتة في الخطاب اليومي التونسي تمرينا لتنمية أحط غرائز الإنسان، أنانيّة وكرها وحقداً؛ وغدت في المحتوى الشامت ثقافة عامة تجمع المختلفين في السياسة على كره مشترك، فالشماتة بزعيم حركة النهضة راشد الغنوشي بعد إصابته بكورونا يتبادل محتواها الجميع.

يشيع اليوم في تونس خطابٌ إعلاميّ يثني على تكافل التونسيّين وتعاونهم، وهو ثناء خشبيّ مألوف منذ الاستقلال، وليس فيه علامة واحدة على اتّجاه حقيقيّ إلى تجديد قيم التراحم والتعاون والمبادرة الشعبيّة السريعة، والخروج من سياسة تعليب المواطنين.

استقال من حركة النهضة التونسية القياديّ فيها، عبد الحميد الجلاصي. وذكر في نصّ استقالته أنّ تجربة الحركة في تسع سنوات جعلت الخلل يصيب "المنظومة الفكريّة ومنهج التعامل مع الآخر وفلسفة التنظيم والتربية ونمط الحوكمة واتّخاذ القرار".