كلما تنازل الخطاب العربي الرسمي أكثر ازداد الصهيوني وقاحة في شعارات احتلاله، أو بالأحرى في احتلال شعاراتنا، ولم لا؟ وأقصى ما يفعله النظام العربي هو الاستجداء.
تذهب وفود رسمية إلى غزّة معلنة عن تضامنها الكامل مع الشعب الفلسطيني في معركته. شخص واحد في النظام العربي يبدو غير مكترثٍ بما حدث ويحدُث، الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، غير المستعد للتخلّي عن مشاعره غير الودّية تجاه أهل القطاع.
الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح هي الحلم الذي لا يغادر رأس رئيس حكومة الاحتلال الصهيوني بنيامين نتنياهو منذ ظهوره على مسرح السياسة الإسرائيلية قبل أكثر من ربع قرن، وهو الحلم الذي يعلن عنه نتنياهو في كل مرة يمسك بالميكروفون ويتحدث إلى الخارج والداخل.
الهدنة التي تمّ التوّصل إليها أخيرا في قطاع غزّة الصامد هي إنجاز للمقاومة الفلسطينية بشكل أساس، إذ لولا بسالتها وصمودها في وجه الآلة العسكرية الإسرائيلية الأميركية، لما أذعن العدو ذليلًا مكسورًا لجهود الوساطة ولما قبل بالهدنة.
صرخات الأمهات الثكالى وهتافات الرجال المقهورين فوق أنقاض بنايات غزّة، وأمام مئات الجثث التي لا تجد مكانًا للدفن، تنطق كلّها بحقيقة واحدة: العرب الرسميون ماتوا، أو ناموا، أو صهينوا على الدم الفلسطيني، فيما تشتعل الشعوب غضبًا وهتافًا ضد المتخاذلين.
تتكدّس الشاحنات عند معبر رفح وعليها صور الزعماء والدول من دون أن تستطيع أن تعبر إلى داخل غزّة التي باتت بلا مستشفيات وبلا مدارس، وأيضًا بلا مقابر تستوعب هذا العدد اليومي الهائل من جثامين الشهداء، وكأن المسألة عند المعبر تسجيل المواقف.
حالة من الوعي تسري في جيل الشباب حول العالم، وكأن المقاومة في غزّة أشعلت ثورة ثقافية تذكّر بثورة 1968 العالمية التي امتدّت من باريس إلى طوكيو إلى الولايات المتحدة والبرازيل والجزائر، والبلاد الأفريقية وحتى إلى المدن العربية، ضد الإمبريالية الأميركية.
كلّ تأخير في الوصول العربي إلى غزّة، بكسر الحصار وإدخال الوقود وبناء المستشفيات، يمنح مشاريع التهجير ومخططات صناعة الشتات الفلسطيني دفعة هائلة، ما يضع أشقّاء فلسطين شركاء في الجريمة بالصمت العاجز، أو بالأحرى العجز الناطق بكل مفردات التواطؤ.
لن نطلب من أصحاب الجلالة والسمو والفخامة أن يحاربوا الاحتلال الصهيوني، ولن نطمع في أن يكونوا داعمين للمقاومة، فقط كلّ ما نرجوه منهم أن يكفوا ألسنتهم عن هذه المقاومة حين يدلون بتصريحات لوسائل الإعلام، وألا يتبرّأوا من حق الشعب في مقاومة الاحتلال.