صمت أردني وفلسطيني عن فضيحة تسريب الأوقاف في القدس

فضيحة تسريب الأوقاف في القدس تحت سمع وبصر السلطة الفلسطينية والأردن

30 يونيو 2017
الأردن وفلسطين لا يتدخلان بصفقات ثيوفيلوس (غالي تيبون/فرانس برس)
+ الخط -

أثارت الأنباء التي تواردت عن إبرام صفقة بيع أراضٍ وقفية تابعة إلى الكنيسة الأرثوذكسية (اليونانية) في مدينة القدس، وتقدر مساحتها بنحو 500 دونم، ونقل ملكيتها إلى الاحتلال الإسرائيلي، غضباً واستياءً فلسطينياً من هذه الصفقة، في فضيحة جديدة لبيع أراضٍ وعقارات وقفية مسيحية للاحتلال، في وقت بررت فيه اللجنة الرئاسية العليا لشؤون الكنائس عملية البيع الأخيرة هذه.

واتهم الباحث في شؤون الأوقاف الأرثوذكسية وعضو المجلس الأرثوذكسي داخل فلسطين المحتلة، أليف صباغ، السلطتين الفلسطينية والأردنية بالتغاضي عما تقوم به الزعامة الدينية لبطريركية الروم الأرثوذكس من عمليات بيع لأملاك وأراضي الأرثوذكس العرب في القدس والداخل الفلسطيني المحتل عام 1948. وقال صباغ، لـ"العربي الجديد"، إنه "يفترض أن تعمل البطريركية وتمارس صلاحياتها بموجب القانون الأردني رقم 27 لعام 1958، ولكنها تفعل ما تريد من دون أي اعتبار، خصوصاً داخل إسرائيل، في حين يوجد اتفاق فلسطيني أردني، مع البطريرك ثيوفيلوس، على ألا يتدخلوا في أي صفقة يجريها داخل إسرائيل، بما في ذلك المناطق التي تسيطر عليها، أي القدس، وهذا أيضاً باعتراف فلسطيني وأردني". ولفت إلى وجود قرار لدى البطريركية اليونانية، بعلم وموافقة ضمنية من اللجنة الملكية لشؤون الكنائس في الأردن، ومن اللجنة الرئاسية لشؤون الكنائس في السلطة الفلسطينية، بأن يتم بيع الأوقاف المؤجرة لإسرائيل بيعاً تاماً. وقال "يفترض أن تعمل البطريركية بموجب قانون البطريركية الذي لا يجيز بيع الأوقاف، وإنما يسمح بتأجيرها بهدف الاستثمار. ولكن هذا البطريرك يعمل كل ما يحلو له بغطاء سياسي فلسطيني وأردني، وأنا مسؤول عن كلامي هذا".

ورداً على سؤال لـ"العربي الجديد" حول عدم وجود تحرك للمسيحيين العرب للتصدي لهذه البيوع، قال صباغ "لا توجد لجنة عربية أرثوذكسية، وإنما توجد لجنة تنفيذية للمؤتمر الأرثوذكسي (داخل إسرائيل). لجنة يسيطر عليها مجلس الطائفة في الناصرة لمصالحه الخاصة، بغض النظر عن البيانات الرنانة التي تصدر بين الحين والآخر". وأضاف "في الضفة الغربية ينشط إخواننا لمناسبة عيد الميلاد ورأس السنة لمقاطعة البطريرك في الاحتفالات الرسمية، ولكن للأسف تقوم السلطة الفلسطينية بتهديد النشطاء، وحتى اعتقالهم، بحجة أنهم يعطلون مسيرة رسمية، والحقيقة أن البطريرك يجري صفقات هناك أيضاً". وتابع "أما في الأردن، فيقوم الأمير غازي بتهديد كل من يعارض البطريرك وصفقاته، ويقول لإخواننا هناك: البطريرك في حماية الملك، ومن يهاجمه يعرض نفسه للملاحقة. هذا هو الوضع العام للأسف، والناس محبطة من إمكانية التصدي لسياسة البطريركية اليونانية". وتعليقاً على البيان التوضيحي الذي أصدره رئيس اللجنة الرئاسية العليا لشؤون الكنائس، حنا عميرة، قال صباغ "بالنسبة إلى بيانات حنا عميرة، كلام في كلام، وأتحداهم أن يفعلوا شيئاً غير الكلام. وفي الغالب يستمعون إلى تبريرات البطريرك بواسطة محاميه، ويعيدون الكلام نفسه، وكأنه مقدس، لقد تحولوا إلى بوق للبطريرك وحامٍ له". وعما إذا تمت هذه البيوع لجهات إسرائيلية، أكد صباغ أنه "سبق هذه البيوع صفقات تأجير لجهات إسرائيلية لمدة 49 سنة، أو 99 سنة، وانتهى العقد السابق أو اقترب من الانتهاء، علماً بأن الجهات الإسرائيلية تستهدف الأوقاف الأرثوذكسية في القدس، لأن الكنيسة تملك مساحات كبيرة في المدينة، وإسرائيل اشترت بعضها منذ عشرينيات القرن الماضي".


وفي السياق نفسه، حذر مجلس الطائفة الأرثوذكسية في الناصرة بالداخل المحتل، في بيان وصلت نسخة عنه إلى "العربي الجديد"، من أن "التفريط بأوقاف الطائفة العربية الأرثوذكسية في البلاد يعتبر جرماً بحق الإرث التاريخي والوطني في بلاد الآباء والأجداد، ولن يمرّ هذا مرّ الكرام"، مشيراً إلى أن هذا الأمر تعمل على تنفيذه جهات مأجورة ومشبوهة تعمل ضد المنفعة الوطنية، وضد الموقف الوطني الحقيقي للطائفة العربية الأرثوذكسية. وحمل البيان البطريرك ثيوفيلوس الثالث كامل المسؤولية لهذه الصفقات المرفوضة. وتوجهت الطائفة الأرثوذكسية في الناصرة إليه بأن يعمل حالاً على إلغاء الصفقة الأخيرة في القدس واسترجاع الأراضي وغيرها من أجل وضعها في خدمة الصالح العام للشعب الفلسطيني. من جانبها، بررت اللجنة الرئاسية العليا لشؤون الكنائس، في بيان وزعته على وسائل الإعلام الأربعاء، ما قام به ثيوفيلوس، مشيرة إلى أن بيانها "توضيحي، وجاء بعد الاتصال مع بطريركية الروم الأرثوذكس". وتحدثت عن مخطط يستهدف البطريركية منذ نهاية تسعينيات القرن الماضي، أيام البطريرك الراحل ثيودوروس حين كان مريضاً، وتم فيه إبرام صفقة من أجل تجديد حكر تلك الأراضي إلى ما يعرف بالصندوق القومي "الكيرن كييمت"، وهي صفقة مزورة من خلال المحامي المعروف، يعقوب فاينروط، وأن توقيع ثيودوروس كان مزيفاً. وأوضحت أن "البطريركية لم تكن جهة لهذه الترتيبات، وأن الحديث يدور عن عملية نصب واحتيال تمت إحاكتها من قبل شخص يدعى رابينوفيتش وشركائه، ولهذا الهدف تم استعمال المحامي فاينروط الذي، وبسبب طمعه، تم استغلاله وتجنيده (مع أو من دون علمه) كجزء من عملية النصب التي تمت إحاكتها ضد البطريركية"، وفق البيان.

وقال مصدر مطلع ومسؤول، لـ"العربي الجديد"، إن جميع أعضاء اللجنة الكنسية التي أصدرت البيان التوضيحي، الذي لم يجب عن أسئلة كثيرة تتعلق بعمليات البيع والتأجير للإسرائيليين ودور البطريرك فيها، "موظفون رسميون في منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية، ويتقاضون منها رواتبهم، وبالتالي لا يتوقع من هؤلاء نشر الحقائق المتعلقة بعمليات البيع هذه، بالنظر إلى أن أي خطوة من هذا القبيل تهدد المصالح والامتيازات التي يتمتع بها هؤلاء"، عدا عن التفاهمات غير المعلنة بين السلطة الفلسطينية والأردن بخصوص دعم البطريرك لحساسية موقعه الديني والسياسي الرمزي. وتضم اللجنة كلاً من حنا عميرة رئيساً، ورمزي خوري عن الصندوق القومي الفلسطيني، والوزير السابق زياد البندك، وسفير فلسطين لدى الفاتيكان، عيسى قسيسية.
بدوره، قال القيادي في حركة "فتح"، حاتم عبد القادر، لـ"العربي الجديد"، إن "موقف اللجنة الرئاسية بخصوص ما يقوم به البطريرك ثيوفيلوس وتصرفه بأملاك طائفته لا يعبر بحال عن موقف العرب الأرثوذكس، ولا يمثلهم أبداً"، معرباً عن خشيته من أن تتسرب جميع أملاك الطائفة، أو ما تبقى منها، إلى جهات يهودية متطرفة.

من جانبه، أكد الخبير المختص بشؤون الاستيطان ومدير دائرة الخرائط في جمعية الدراسات العربية بالقدس، خليل تفكجي، في حديث مع"العربي الجديد"، أن "ما جرى ليس البداية، فهناك العديد من تلك الصفقات، أو الإجراءات، التي تم فيها نقل ملكية أراضٍ وقفية في مناطق من القدس والداخل المحتل إلى الاحتلال الإسرائيلي". ووفق تفكجي فإن الكنيسة الأرثوذكسية تملك مساحات شاسعة في فلسطين، وهي تعتبر من الكنائس القديمة في فلسطين، لأنها كانت موجودة قبل أن يأتي الفتح الإسلامي. وشدد على أن الجانب الإسرائيلي يعمل باتجاه عملية تحكير هذه الأراضي أو شرائها، وعملياً هناك استعماران على الكنيسة الأرثوذكسية، استعمار يوناني واستعمار إسرائيلي، والاستعمار اليوناني يبيع هذه الأراضي أو يؤجرها أو يحكرها لفترة طويلة قد تصل إلى ألف عام، ويقوم باستثمار هذه الأموال في اليونان وليس استثمارها داخل البلد. وأشار إلى أن التحكير بهذه المدة يعني أن هذه الاستثمارات بيعت على المدى الطويل للجانب الإسرائيلي، الذي سيحسم قضية الأرض في عملية مفاوضات مستقبلية، وهذا ما يتم الآن في القدس الغربية، علماً بأنها جزء من القدس الدولية التي لا تعترف ولا دولة في العالم بها كعاصمة للدولة العبرية. والتحكير، كما يعرفه تفكجي، بأن تكون الأرض ملك للكنيسة الأرثوذكسية، لكن استثمار الأرض يكون لجهة ثانية لمدة طويلة. وينتهي التحكير في ثلاث حالات، إما بانتهائه، أو بشراء الأبنية المقامة عليها وعودة الأرض وما عليها إلى صاحب الملك، أو أن يهدم ما هو موجود عليها ثم تعود الأرض إلى صاحبها. وشدد تفكجي على أن التصرف بهذه الأراضي يجب ألا يتم إلا في حالة واحدة، وهي استثمارها لفائدة الطائفة وليس لفائدة الشخص، إذ إن مسؤول هذه الطائفة يستطيع التصرف بهذه الأملاك، لكن بشرط أن تحول الأموال التي تأتي لتطوير الرعية الأرثوذكسية، لكن ما يجري في عملية البيع والاستثمار أنه يتم استثمار الأموال في اليونان وليس داخل فلسطين، وعملياً فإن نقل تلك الأموال ليس لصالح الطائفة الأرثوذكسية.

وكانت وسائل إعلامية قد تناقلت، قبل أيام، أنباء حول قيام البطريركية الأرثوذكسية (اليونانية) وثيوفيلوس ببيع أراضٍ وقفية أخرى لجهات إسرائيلية، تقدر مساحتها بأكثر من 500 دونم، وهي تقع في الشطر الشرقي لمدينة القدس المحتلة، وأن هذه الأرض ستخصصها بلدية الاحتلال في القدس لمستثمرين ورجال أعمال يهود. ووفق تلك الوسائل الإعلامية فإن التقديرات تشير إلى أن ملكية الكنيسة بيعت مقابل أكثر من 10 ملايين دولار، يضاف إليها مبلغ 22 مليون دولار دفعته عام 2011 شركة أخرى يشرف عليها محام إسرائيلي.

المساهمون