عباس ناصر: "التلفزيون العربي" ظهير للثورات ونقيض الإرهاب والاستبداد

عباس ناصر لـ"العربي الجديد": "التلفزيون العربي" ظهير للثورات ونقيض الإرهاب والاستبداد

24 يوليو 2017
مدير عام التلفزيون العربي الصحافي عباس ناصر (أحمد الداوودي)
+ الخط -
بلغة الصحافي المُحترف، وهمّة المراسل الميداني اللاهث وراء التفاصيل في خلفية المشهد، يتحدث مدير عام التلفزيون العربي عباس ناصر عن الانطلاقة الجديدة للمحطة من استديوهات "بارك رويال"، غرب العاصمة البريطانية لندن. ولأنه لم يعتد على لغة الإداريين الخشبية، ويتقن إثارة الأسئلة أكثر من صياغة الأجوبة، يُطلق المدير العام الشاب، شرارة الحديث عن تجربته الجديدة في إدارة "تلفزيون العربي"، من ساحة التحديات، حيث المواجهة المباشرة مع أمراض الإرهاب والاستبداد والإقصاء والطائفية التي تعصف بكل القيم الإنسانية في عالمنا اليوم.

يقول مدير عام "التلفزيون العربي"، إن التحديات التي تواجهه وفريق العمل، لا تتعلق بالتحديات التقليدية التي قد تواجه أي قناة تلفزيونية حديثة التأسيس، من قبيل المنافسة، أو صعوبة توسيع مساحة الانتشار، أو غيرهما من معوقات إدارية وهيكلية أو مالية، بل تتمثل في التحدي الأهم، وهو الانطلاق وسط أمواج عالية من الاضطراب الكياني - السياسي تضرب البر العربي من المحيط إلى الخليج، والحفاظ على التوازن في وجه رياح عاتية وساخنة، تهب
على إقليمنا العربي من كل اتجاه.

ويرى عباس ناصر أن "التلفزيون العربي" الذي يقبل، بانطلاقته الجديدة، الرهان والتحدي، إنما يدرك أنه يواجه خصما عنيدا وبشعا، لأن مشروع "العربي" المنحاز لجهة الحق في المعرفة والتواصل، ولناحية تعزيز المشاركة السياسية، وقيم الديمقراطية والشفافية في الحكم، ولمصلحة حق الشباب العربي في رسم مستقبل بلاده ومجتمعاته، ولصف المرأة العربية وتعزيز دورها في الحياة السياسية والاقتصادية، إنما يقف بهذه الخيارات في الخندق المواجه للإرهاب ومشروعه القائم أساسا على تكميم الأفواه، وإقصاء الآخر، وإلغاء كل من يختلف معه، أو حتى يختلف عنه. وبهذه الرؤية العميقة، يرى عباس ناصر في التعددية التي تتجلى واضحة، أولاً بما تبثه شاشة "تلفزيون العربي"، وثانياً عبر الطيف الواسع والمتنوع لطاقم العمل في غرف الأخبار والبرامج والأقسام التقنية، نقيضاً صريحاً للإرهاب الذي لا يبث إلا الرعب والترويع، ولا يمارس إلا التكفير والإقصاء، ولا يقبل إلا التطرف خطاباً وسلوكاً.

التطوير بدأ
اليوم إذاً، هو الموعد المنتظر لانطلاق بثّ شبكة "التلفزيون العربي" من استوديوهات "بارك رويال" غرب العاصمة البريطانية لندن، وفق نظرة جديدة ومتطورة لتعاطي الإعلام مع المشاهد العربي. مفاجآت كثيرة تحملها للمشاهد هذه الخطوة، من ناحية هندسة الاستوديوهات إلى البرمجة الجديدة، والبثّ لمدة 24 ساعة بعدما اقتصر في الأشهر السابقة على ساعات معدودة.

لكنّ الانطلاقة الجديدة لن تكون في تجديد الشكل فقط، بل يؤكد المدير العام لـ"تلفزيون العربي"، عباس ناصر، أن الانطلاقة الجديدة للقناة من الأستوديوهات الجديدة في منطقة "بارك رويال"، لن تكون مجرد تغيير في الشكل والمضمون، ولا تهدف للتنافس والسباق على الجمهور المتلقي، بل هي موجة ثانية من "الثورة العربية الإعلامية"، تكمل ما بدأه زملاء آخرون من ترسيخ قواعد العمل الصحافي المحترف، ونشر قيم حرية الإعلام والتعبير، وحق المعرفة، والحوار البناء، والتعددية، والحق في الاختلاف، وبهذا المعنى يكون "التلفزيون العربي" رديفاً وظهيراً للثورات الشعبية العربية التي تطالب بالحرية والعدالة والكرامة، ونقيضاً جريئاً لقوى الإرهاب والاستبداد والتضليل التي توغل في تكميم الأفواه، وتتغوّل ناشرة الفوضى والخراب على الأرض، وعبر الأثير.

ويشرح، خطة تطوير القناة بدأت وأولى خطواتها الانتقال إلى المكان الجديد، ثانياً امتداد البث على مدى 24 ساعة متواصلة، وثالثاً التوسّع بمشاريع ترتبط بالعالم الرّقمي من خلال موقع جديد على الشبكة العنكبوتية، فضلاً عن منصّات رقمية أخرى منها "أنا العربي" مرتبطة بوسائل التواصل الاجتماعي، وتوسّعات أكبر على صفحات "فيسبوك" و"تويتر" وغيرها.

نواجه ثورة إعلامية مضادة
يسترسل ناصر بالحديث عن التحديات، مع إصراره على قبولها ومواجهتها، خصوصاً أنه يرى أن "التلفزيون العربي" هو الابن الشرعي للثورات العربية، وامتداد أصيل للربيع العربي الذي لم تكتمل فصوله بعد. وبهذا المعنى، يرى أن الساحة الإعلامية العربية تشهد ثورة مضادة، لا تختلف في الجوهر والأهداف عن الثورة المضادة التي انطلقت لاغتيال الربيع العربي، وقصم ظهر الشعوب العربية التي ثارت على الأنظمة الشمولية، والفساد العميق، مطالبة بالحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية.

ويرى عباس ناصر أن الثورة الإعلامية العربية التي أطلقت قناة "الجزيرة" شرارتها في العام 1996، نجحت إلى حد كبير في تحرير الإعلام العربي من قيود المؤسسة الرسمية التي هيمنت عليه لعقود طويلة، وجعلت وسائل الإعلام المسموع والمقروء والمرئي، مجرد أبواق للدعاية. ويضيف: "ما نشهده اليوم من انهيارات قيمية ومهنية في الإعلام العربي، إنما هو ثورة مضادة، تحاول النيل مما تحقق خلال العقدين الماضيين، والعودة بالإعلام العربي إلى الوراء، وتحديدا عصر التصفيق والتمجيد، وزمن التعمية على الرأي الآخر، وتهميش الأصوات المختلفة، وفتح الصفحات والهواء للمهاترات الخاوية، والترفيه الرخيص".


تعددية حقيقية وتعددية زائفة
لدى الغوص أكثر في عمق التحديات التي تواجه "تلفزيون العربي"، يُميز عباس ناصر، بعين الصحافي الاستقصائي، بين التعددية الإعلامية الحقيقية، والتعددية الإعلامية المُصطنعة التي دأبت مراكز النفوذ المالي على صناعتها خلال السنوات الأخيرة عبر تمويل عشرات قنوات الترفيه الرخيص، والقنوات الدينية الطائفية، وقنوات الردح والتلفيق، وقنوات السحر والشعوذة، وحتى قنوات الإغراء، وذلك لتحقيق أهداف عدة، منها ركوب موجات التنوع والانفتاح، وتسويق أنظمتها السياسية في الغرب بزعم التحرر وقبول الرأي الآخر، ومن أجل إغراق الساحة بإعلام ترفيهي ضحل، أو إعلام موجه للتشويش على مصداقية وجدية الإعلام المهني المحترف. ويرى أن أكذوبة الانفتاح والتعددية التي حاول البعض ترويجها لتلميع صورته في الغرب، قد سقطت أخيرا، مع دعوات هذا البعض إلى إغلاق منصات إعلامية لمجرد أنها مخالفة لرأيه وتوجهاته السياسية، أو لأنها مختلفة عنه بتقديم إعلام جاد ومهني محترف.



إعلام انتحاري يشبه "داعش"

وفي تشبيه لافت، يرى المراسل الحربي عباس ناصر، في إغراق دوائر رسمية ورؤوس أموال عربية للفضاء العربي بعشرات أو مئات القنوات التلفزيونية الفاسدة والمُفسدة، عملية انتحارية تشبه تماما العمليات الانتحارية التي ينفذها تنظيم "داعش" وأمثاله من التنظيمات الإرهابية المتطرفة. ففي الحالة الأولى يلجأ "الانتحاري الإعلامي" إلى قتل الآخر والمختلف، ونسف فكرة المصداقية في الإعلام من جذورها، وتمييع المشهد الإعلامي بأكمله، وهو بذلك كمن يهدم المعبد على رؤوس الجميع، بمن فيهم مؤسساته الإعلامية الرسمية، أو تلك التي يمولها، تماما كما يفعل الانتحاري الإرهابي، الذي يفجر نفسه لقتل آخرين، دون اكتراث لهوية الضحايا المحتملين.

وُلدنا من رحم الربيع العربي
وبتجاوز نقطة التحديات التي يخوضها الإعلام العربي الجاد والمحترف، في مقابل الإعلام المضاد، يرى عباس ناصر أن الإعلام الذي وصل بالشعوب العربية إلى مرحلة الثورة على الأنظمة الديكتاتورية، والإعلام الذي وُلد من رحم الثورات العربية، وفي مقدمته "التلفزيون العربي"، إنما قادر على الصمود والمواجهة، والرهان في ذلك على وعي الجمهور المتلقي، الذي شكل البيئة الحاضنة للثورات العربية، ولن يقبل بالإعلام الفاسد، تماما كما رفض الأنظمة الفاسدة. ويضيف ناصر: "إننا نخوض المواجهة بالطاقات الشابة ذاتها التي فجرت الثورات العربية، ولا تزال تدافع عنها".

ويقول إن "التلفزيون العربي الذي يولي في برامجه اهتماما خاصا بالشباب العربي، ويُفرد مساحات واسعة للتفاعل مع الجيل العربي الشاب، ويتيح منصات متعددة لتواصل وتفاعل الشباب العربي في ما بينهم، إنما يقدم كل ذلك بجهود طاقم التحق أفراده بالقناة بناء على قدراتهم ومواهبهم، بعيدا عن أي تمييز على أساس الجنس، أو الجنسية، أو المذهب، أو الانتماء السياسي".

القوانين البريطانية تضبط عملنا ولا تقيده
وبالحديث عن قواعد المهنية والضوابط الأخلاقية للعمل الإعلامي، يرى عباس ناصر أن وجود "التلفزيون العربي" في العاصمة البريطانية، لندن، والتزامه بقواعد هيئة البث البريطانية "أوف كوم" الصارمة، إنما هو الجواب الواقعي والترجمة الحرفية لقبوله بشروط اللعبة الإعلامية العادلة والمحترفة، مع حفظ التوازن بين "انحيازنا للصف المواجه لقوى الاستبداد والديكتاتورية في عالمنا العربي، وفي الوقت ذاته التزامنا بضوابط وقواعد العمل التلفزيوني في بريطانيا، وهي قيود دقيقة وصارمة". ويقول ناصر: قد تبدو للبعض معادلة صعبة، يصعب معها التوازن، ولكنني أرى أنها معادلة بسيطة ومريحة لمن يبحث عن إعلام محترف ونزيه.



المساهمون