الحرب الباردة أو دبلوماسية الفودكا

الحرب الباردة أو دبلوماسية الفودكا

28 ابريل 2014

كيري يهدي لافروف بطاطا في باريس (يناير 2014 أ.ف.ب)

+ الخط -
تشهد العلاقات الروسية الأمريكية توتّراً في الآونة الأخيرة، بعدما تمكن الرئيس الروسي الحديدي، فلاديمير بوتين، من فرض هيمنةٍ واضحةٍ في محيط بلاده، وفي شرقيّ أوروبا، فبعد زعزعة استقرار أوكرانيا، ظهرت أصوات صربية تتمنى على بوتين ضمّ صربيا إلى روسيا، ولا يخفي الاشتراكيون الأوروبيون إعجابهم بسياسة روسيا الخارجية، مقابل سياسة الاتحاد الأوروبي المتعب، بسبب تمدده الكبير في فترة زمنية قصيرة، ومواجهة المشكلات الاقتصادية المترتبة على ذلك.
لذا، اعتمدت موسكو سياسةً خارجيةً صلبة، سياسة المواجهة المباشرة، وليس مصادفة إطلاق لقب الوزير الجديد "لا" على وزير خارجية روسيا، سيرغي لافروف، والذي لا يتعب من رفض كل الطروحات التي تتعارض مع سياسة بلاده، مكمّلًا بذلك سياسة سلفه الشهير، أندريه غروميكو. ولم يفاجأ كثيراً وزير الخارجية الأمريكية، جون كيري، بالصلافة وقوّة الشكيمة التي وجدها لدى غريمه، ومثيله الروسي، لافروف. تجدر الإشارة إلى أن بيانات وكالات استطلاع الآراء الروسية أفادت بحصول لافروف على شعبية بنسبة 53%، مباشرة بعد وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، والذي حصل على 59% من نسبة الاستطلاعات الشعبية.
لافروف مدخّن شره، وتسببت هذه العادة بخلاف مبدئي مع كوفي أنان الأمين العام السابق للأمم المتحدة، حيث طالب الحضور بعدم التدخين في المبنى الأممي، لكنّ لافروف "ولم يكن قد تولى منصب الدبلوماسية الروسية" قال، إنّ المبنى ملك للأمم، وأنان مجرّد مدير للمبنى فحسب، واستمرّ بالتدخين من دون أن يكترث لقرار الحظر، في ما بعد، هنّأ أنان صاحب السيجارة المشتعلة بشكل دائم، حين نال منصب وزير الخارجية الروسية، واعتبره أحد كبار الدبلوماسيين العالميين.

ومعروف عنه كذلك أن لسانه لاذع للغاية، ويشتم بالروسية كما يطيب له، خصوصاً إذا كان الحضور لا يعرفون هذه اللغة، ويتقن الانجليزية والفرنسية واللغة السنهالية المعتمدة في سيريلانكا، ويدرك جيّداً أنّ المواصفات التي يتمتع بها، وصعوبة طبع ابتسامة على وجهه تليق بطبيعة المواجهة العالمية الجديدة التي قد تعلن انطلاقة حرب باردة بين البلدين العملاقين، روسيا والولايات المتحدة، بمقدراتهما العسكرية ونفوذهما حول العالم. في اللقاء الذي جمعه مع نظيره البريطاني السابق، ديفيد ميليباند، والذي يصغره بنحو 15 عاماً، نشرت صحيفة التلغراف في 12 سبتمبر/أيلول 2008، ونقلا عن شاهد عيان في اللقاء المذكور، حيث تطرق الحديث للحرب الدائرة بين روسيا وجورجيا، فوجئ الوزير البريطاني بردّ لافروف عليه بالانجليزية مستصغراً له وبكلمة تحقيرية نابية، وأوضح لافروف، في ما بعد، أنّه عنى بما قاله الرئيس الجورجي آنذاك ميخائيل ساكاشفيلي، وأنّه اقتبس عبارات زميله الأوروبي.
تدرك الدبلوماسية الأمريكية، بالطبع، هذه الإشارات، وتستخدمها في العلاقة مع روسيا، المتمثلة برأس حربتها، سيرغي لافروف، وتذكر وسائل الإعلام كيف قدّمت هيلاري كلينتون للافروف في العام 2009 لدى توليها وزارة الخارجية الأميركية، زرّاً  إلكترونياً، كتب عليه بالانجليزية “Reset” إعادة التشغيل، لكنّ المترجم أخطأ، ونقل معنى آخر لهذه الكلمة “Overload” ما يعني "تحميلاً زائداً" وسرعان ما احتدّ لافروف، لكنّ كلينتون تداركت الأمر، وقالت إنّها لن تسمح بتوتر العلاقات مع روسيا، وتحميلها أكثر من طاقتها، وبدوره، وعد لافروف بوضع الزرّ الإلكتروني على مكتبه، ليضغطه الوزيران معاً.
أمّا وزير الخارجية الأمريكي الحالي، جون كيري، فاستخدم بداية العام في باريس، أسلوباً آخر في لقاء جمعه مع زميله الروسي، سيرغي لافروف، وقدّم له في مؤتمر صحافي تبع اللقاء حبتي بطاطا من ولاية أيداهو الأمريكية طالباً منه أن يأكلها، لا أن يستخدمها في صنع الفودكا، كناية عن إفراط الروس بتعاطي الفودكا، لكنّ لافروف أوضح له أنّ بولندا هي الدولة التي تستخدم البطاطا لتحضير الفودكا التقليدية، أما الروس فيستخدمون القمح في تصنيع الفودكا. وبدا الأمر وكأنّ الوزير الروسي يسخر من بولندا، وكادت الدعابة أن تتسبب بتوتر في العلاقات، لولا تدخل وزير الخارجية البولندي، رادوسلاف شيكورسكين، والذي أكّد أنّ لافروف يكنّ الاحترام والتقدير للفودكا البولندية، ليصبح ثلاثتهم سفراء للفودكا البولندية، وفقاً لمؤسسة "الفودكا البولندية".
وفشل لقاء جنيف في 17 أبريل/ نيسان الجاري، وحاول فيه الغرب استخدام العصا والجزرة تجاه موسكو، في إيجاد أي تقدّم لحلّ الأزمة مع موسكو بشأن أوكرانيا والقرم، ولمّح جون كيري ومفوضة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، كاترين آشتون، والرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، إلى إمكانية اتخاذ عقوبات قادرة على ضرب القطاع المالي وقطاع التنقيب عن الطاقة الروسي. لكن، وفي نهاية المطاف، لم تثمر هذه الجهود شيئاً يذكر، ولم يتمكن وزير الخارجية الأوكراني، آندري داشتشينتسيا، من لقاء وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، على حدة. وفي أثناء المحادثات، كتب بوتين في "تويتر" أنّ أمريكا تعتمد سياسة "ازدواجية المعايير"، وبهذا حكم على المحادثات بالفشل، وأبقى الأمل متعلقاً بمحادثات جديدة في عواصم مختلفة من العالم.
  
ليس هذا فحسب، بل ذهب بوتين إلى أبعد من ذلك، وقال إنّه يأمل ألا يضطر إلى اجتياح أوكرانيا بعد حصوله على تفويض رسمي من الغرفة العليا من مجلس الدوما (البرلمان) الروسي، متذرّعاً بالديون الهائلة، المترتبة على أوكرانيا المستحقة، مقابل الغاز الروسي، العابر للأراضي الأوكرانية تجاه أوروبا. وفي الولايات المتحدة، وحده النائب الجمهوري، ميت رومني، طرح مقولة "روسيا هي العدوّ الأكبر لأمريكا"، وطالب بإعادة النظر في الموقف الأمريكي المتردّد والباهت، بشأن الأزمة السورية وإيران أيضاً، لكن لم يعره قادة سياسيون عديدون كثير اهتمام، حتّى اجتياح بوتين القرم.
   
بدأ البيت الأبيض بالبحث عن بديل للسفير الأمريكي في موسكو، مايكل ماكفول، والذي استقال من منصبه لأسباب شخصية، ويعتبر هذا المنصب في منتهى الأهمية، ومن المتوقع ترشيح الدبلوماسي المحنّك، جون تيفيت، الذي يحمل لقب "المعادي لروسيا"، وهذا من تعبيرات استخدمت في فترة الحرب الباردة، وتعود الآن إلى الاستخدام على نطاق واسع في الغرب. وقد تحدث تيفيت باللغة الأوكرانية، لدى توليه منصب سفير بلاده في كييف من قبل، ورفض استخدام الروسية، ويذكر موقع "صوت روسيا" بدعمه اجتياح القوات الجورجية جنوب أوستيا، أو كما هو متعارف عليها، أزمة القفقاس عام 2008.
بعد تردّي العلاقات الأمريكية الروسية على خلفية الأزمة الأوكرانية، لن تأخذ واشنطن بالاعتبار ردود الفعل الروسية بشأن تعيين تيفيت سفيراً لها في موسكو. ومعروف عن تيفيت عدم ميله إلى تقديم التنازلات، وغالباً ما يلجأ إلى انتقاد السياسة الروسية، وعملياً، فإنّ تعيينه سفيراً لواشنطن في موسكو يحمل إشارات كثيرة، أصبحت متبادلة بين الطرفين، وتبشّر بحرب باردة، قد يطول أمدها، أخذاً بالاعتبار انعدام أيّة رغبة لموسكو في التراجع عن موقفها بشأن أوكرانيا، ورغبتها بتحويل شبه جزيرة القرم لاس فيغاس جديدة.
مؤكّد كذلك أنّ دبلوماسية الفودكا لن تستمرّ طويلاً في المراحل المقبلة في العلاقة المتبادلة والمشتركة بين روسيا والولايات المتحدة، وقد يستخدم الوزراء مواد أخرى لتبادل الهدايا المعنوية كعلبة كبريت، أو مجسّم صغير لقناة غاز مثقوبة على سبيل المثال.   
59F18F76-C34B-48FB-9E3D-894018597D69
خيري حمدان

كاتب وصحفي فلسطيني يقيم في صوفيا. يكتب بالعربية والبلغارية. صدرت له روايات ودواوين شعرية باللغتين، وحاز جائزة أوروبية في المسرح