أميركا بلد الحلم والفوارق الاجتماعية

أميركا بلد الحلم والفوارق الاجتماعية

19 مارس 2014
أميركا بلد النقيضين
+ الخط -



ينظر الشباب العربي الى الولايات المتحدة على أنها أرض الحلم أو "أرض الفرص" في تحقيق الرفاهية والرقي الاجتماعي، بل والغنى السريع. لكن التباين الشديد في الدخل والثروة  للمواطنين، كما توضح دراسة أميركية حديثة، أصبح يضع الحلم الاميركي أمام تحدٍ كبير.

على مر تاريخ القارة الحديثة، عرفت المدن الأميركية وولاياتها، وخصوصاً الرئيسية منها، استقطابا  للاغنياء والفقراء على حد سواء، منذ العصور القديمة، ما انعش اقتصادها الى أن أصبحت الاول والاقوى في العالم. لكن نتاج هذا الاستقطاب أفرز في السنوات الاخيرة تدفق نسبة الاثرياء في المناطق الغنية، بينما تكدس الفقراء في المناطق الفقيرة، ما أبرز فوارق  اجتماعية واقتصادية. 


اذا تجولت في مناطقها الشاسعة، وبالرغم من قربها من بعضها، قد تجد أن أميالا قليلة تفصل بين مناطق عيش أثريائها في واشنطن وفقرائها، لكن الفرق بينها شاسع إلى درجة يخال المرء معها أنه في عالمين مختلفين تماما. من ناحية، منازل تتوفر فيها كل مقومات الرفاهية والسيارات الفخمة ومحلات راقية تليق بمستوى عيش القاطنين في المنطقة، ومن ناحية أخرى أحياء متواضعة تأوي عائلات تشتغل لساعات طوال من دون أن تتمكن من سد حاجياتها الأساسية.

وزاد من حدة هذه الفوارق الاقتصادية، ارتفاع البطالة بعد الازمة الاقتصادية الأخيرة، حيث تدهور سوق العمل بسبب انخفاض الاجور وخفض الميزانية، بينما حافظت وظائف أخرى على مستواها  بل ارتفعت الى أعلى معدلاتها، ما قسم سوق العمل الى وظائف عالية الدخل وأخرى ذات أجور منخفضة جدا. وبدأت الطبقة المتوسطة في الاختفاء وخاصة في ظواحي المدن الكبيرة.


حقبة زمنية


في العام1970،  أوضحت دراسة أجرتها جامعة كورنيل كندرا بيشوف، وشون ريردون، من جامعة ستانفورد، أن 65% من الأميركيين، أي ما يعادل ثلثي المجتمع الاميركي كان يعيش في مناطق متوسطة، لكن  هذا المعدل  انخفض اليوم ليصل إلى 42%، ولا يزال يتهاوى.

ومن جانب آخر وخلال نفس الفترة الزمنية، ارتفعت نسبة الأسر التي تعيش في الأحياء الراقية  بنسبة 7-15 في المئة، وارتفعت حصة الذين يعيشون في الأحياء الفقيرة، بنسبة  8-18 في المئة.  وارتفعت نسبة الأميركيين الذين يعيشون في كلا النقيضين من 15 في المئة في عام 1970 إلى 33 في المئة في عام 2009.


هذا المعدل نما معه معدل عدم التكافؤ الذي خلف عدة تناقضات، ووصل الى ما يقارب تسعة من عشرة في جميع المناطق المركزية الأميركية، مع ارتفاع واضح في  عدد  السكان بنسبة  500.000 نسمة، وفقا للدراسة. وهو ما صادق عليه  تقرير العام 2012   لمركز "بيو" للأبحاث الاقتصادية،"  الذي أفضى إلى أن هذا العزل بين الأسر من ذوي الدخل المرتفع والأسر ذات الدخل المنخفض التي تشير الى ارتفاع كبير في 27 من 30 ولاية أميركية. كما يشير الرسم الذي عملت عليه  شارلوت ميلاندر من مركز بيو وفريق تابع  لمعهد "مارتن بروسبيريتي" الى أن  مستوى ومعدل الفرق الاجتماعي بحسب دخل الاغنياء والفقراء من ذوي الشهادات العالية  والطبقة الاجتماعية الغنية في 350 مقاطعة وضاحية في البلاد.

 وفي الدراسة أيضاً إشارة الى أن عدد من يعيشون تحت عتبة الفقر قد بلغ في الولايات المتحدة 49.7 مليون شخص في عام 2013،  أي ما يعادل 16% من المجتمع الاميركي. وضمن هذه الفئة تعاني أكثر من 10 ملايين عائلة عاملة من ذوي الدخل المحدود لتلبية حاجياتها الاساسية، وهو ما يعني أسرة من أصل ثلاث أسر أميركية. واتسعت الهوة بين الواحد في المئة من الاميركيين الاكثر ثراء وباقي الشعب لتصل إلى مستوى غير مسبوق منذ 1928، استنادا إلى دراسة أعدتها جامعة كليفورنيا.

على النقيض الاخر من هذه المعضلة فإن أصغر الضواحي الأميركية هي الاقل تأثيرا بتلك الفوارق. 
ورغم الأزمة المالية التي عرفتها البلاد خلال السنوات الماضية، ازدادت مداخيل هذه الفئة بـ31.4% في الوقت الذي لم تنم فيه مداخيل ال99% من باقي الشعب الأميركي سوى بـ0.4% في أحسن الأحوال.

هذا وتتجه أصابع الاتهام في هذه الهوة التي لا تتعمق بشكل مزعج، إلى سياسات الادارة الاميركية، ولا سيما في مجال التعليم والهجرة. حيث يقول محللون ان البرامج التربوية في المدارس الاميركية لاتهيئ الطلاب بالشكل الكافي للحصول على وظائف بدخل جيد بالاضافة الى تحول أنشطة الشركات الكبرى إلى الدول النامية بسبب العمالة الرخيصة هناك  وتزايد المهاجرين وقبولهم العمل بأجور منخفضة، ما يحرم المواطن الاميركي.

وكانت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية للدول قد صنفت الولايات المتحدة  في المرتبة الرابعة  بين الدول  التي تشهد  فوارق كبيرة في الدخل بعد التشيلي والمكسيك وتركيا، وحذرت من عواقب هذه الظاهرة التي كانت شكلت أحد أسباب الازمة المالية في الولايات المتحدة وجرت معها العالم المرتبط بها اقتصاديا.


واخيرا وبالرغم من استمرار رحلة معاناة الاسر الاميركية لتلبية متطلباتها، يبقى الملايين من الشباب العربي يحلمون بأن تطأ أرجلهم أرض الحلم الموعود ولا ضرر في بعض المعاناة أيضا.

دلالات