النفط يختبر"أوبك"

النفط يختبر"أوبك"

18 نوفمبر 2014
تدهور أسعار النفط يلقي بظلاله على الدول المنتجة(فرانس برس)
+ الخط -

سؤال الثلاثة تريليونات دولار، الذي يدور في أوساط الأسواق العالمية، هو إلى أين تتجه أسعار النفط خلال الشهور المقبلة؟ وما هي القرارات التي تتخذها منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك" في اجتماعها المقبل في جنيف يوم 27 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري؟

أهمية الأسئلة تكمن في كون النفط سلعة سياسية واقتصادية وسلاحاً استراتيجياً يدخل في صميم الأمن القومي للدول الكبرى، وعلى رأسها أميركا والصين ودول الاتحاد الأوروبي. ويكفي أن يرتفع سعر برميل النفط فوق 150 دولاراً للبرميل لمدة شهور فقط، لتنهار بعض الاقتصاديات. وكثير من الحروب كسبتها الدول عبر النفط، فهو من السلع التي تخلق الحروب وتصنع السلام وتجلب الرخاء أو الشقاء.

وحسب تصريحات ابن الرئيس الأميركي الأسبق، رونالد ريجان، فإن سقوط الإمبراطورية الشيوعية كان بسبب انهيار أسعار النفط. من هذا المنطلق يمكن القول إن النفط إمبراطورية كبرى تحدد مجريات السياسة والاقتصاد العالمي.

فالعالم يستهلك يومياً نحو 92 مليون برميل يومياً، تنتج منها منظمة "أوبك" نحو 30 مليون برميل. ومن هنا تنبع أهمية "أوبك" في سوق الطاقة العالمي. فقرارات رفع سقف إنتاج المنظمة أو خفضه يترجم مباشرة في كمية المعروض العالمي من النفط، وبالتالي يحدد سعره في السوق. ومن هذا المنطلق يلاحظ الاهتمام الشديد من قبل دول العالم باجتماعات "أوبك" الدورية والقرارات التي تصدر عن هذه الاجتماعات.

وعلى صعيد أهمية النفط في أسواق السلع، فسوق مبيعات النفط السنوية تقدر بنحو 3.4 تريليون دولار، هذا عدا المضاربات على العقود المستقبلية التي يقدر حجمها مصرف "غولدمان ساكس" بنحو 233.9 مليون برميل يومياً. وهي براميل غير منتجة يضارب تجار النفط على حركة أسعارها على أمل تحقيق أرباح. وهذه المضاربات تقارب عشرة تريليونات سنوياً. فالعالم في بحث دائم عن مواقع جديدة للنفط، كما أنه في بحث دائم عن معرفة قرارات "أوبك" والتنبؤ بمستويات الأسعار.

اجتماع فيينا

منذ تدهور أسعار النفط خلال الشهر الماضي لتصل إلى مستوياتها الدنيا، تحت عتبة الـ 80 دولاراً للبرميل تكثفت الزيارات الدبلوماسية لوزراء منظمة "أوبك" للرياض ولعواصم نفطية أخرى، إذ زار رئيس الوزراء الليبي عبد الله الثني الرياض الأسبوع الماضي، وذلك في أعقاب زيارة قام بها الرئيس العراقي فؤاد معصوم للسعودية ليومين. كما أجرى وزير الخارجية الفنزويلي روفائيل راميراز مباحثات في كل من قطر والجزائر. وكان وزير النفط الإيراني بيجن نامدار زنقنيه قد أجرى مباحثات في كل من الكويت وقطر، ضمن جولة إقليمية تستهدف رفع أسعار النفط.

وتستهدف هذه الزيارات الدبلوماسية المكثفة الوصول إلى موقف مشترك بين أعضاء "أوبك" لرفع أسعار النفط، عبر خفض إنتاج المنظمة في اجتماع 27 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل في فيينا.

المنتج المرن

وحسب مراقبين لسوق النفط "حتى الآن يبدو أن الإشارات الصادرة من السعودية، أكبر منتج للنفط في العالم، توحي أن المنظمة لن تخفض معدلات الإنتاج الحالية في اجتماع فيينا المقبل". ويدلل هؤلاء على ذلك بقولهم "وزير المالية السعودي إبراهيم العساف، قال على هامش اجتماعات قمة العشرين بأستراليا، إن جميع المشاركين في قمة العشرين متفقون على ترك الأسعار للعرض والطلب". وهو ما يفهم منه أن السعودية ودول الخليج صاحبة نصيب الأسد في "أوبك"، متفقة على ترك سقف الإنتاج على مستوياته الحالية، نحو 30 مليون برميل يومياً، دون تغيير.

ويلاحظ أن السعودية التي كانت تلعب في السابق دور "المنتج المرن"، بما لديها من طاقة إنتاجية فائضة تمكنها من ضخ 12.6 مليون برميل يومياً، لا ترغب هذه المرة في هذا الدور وترى أن قوى السوق أن تترك لتحديد الأسعار. وكانت المملكة العربية السعودية تقوم بضبط إيقاع الإنتاج خفضاً وارتفاعاً بمعدلات توصل النفط إلى السعر المستهدف.

وهناك أيضاً الاتهامات المباشرة التي وجهها وزير النفط الإيراني لدول الخليج، والتي قال فيها "إنهم يختلقون الأعذار لتبرير عدم خفض الإنتاج". ومعروف أن إيران، التي تعاني من الحظر الأميركي المتشدد تعيش ضائقة مالية حادة، وبالتأكيد ستتضاعف هذه الضائقة مع استمرار تدهور أسعار النفط.

لكن خبراء نفط في لندن، بينهم جيفري كوري، خبير السلع بمصرف "غولدمان ساكس"، يرى أن النفط الصخري الأميركي هو الذي سيلعب دور "المنتج المرن" هذه المرة، لأن شركات النفط الأميركية المستخرجة للنفط الصخري ستوقف الآبار التي تعرضها لخسارة، حينما ينخفض النفط بمستويات تقل عن جدوى الاستخراج، ثم تعود للإنتاج حينما ترتفع الأسعار. وبالتالي، فإن المعروض النفطي العالمي سينخفض تلقائياً، حينما تنخفض الأسعار.

ويقدر خبراء أن الجدوى الاقتصادية لنحو 33% من إنتاج النفط الصخري، يعتمد على أسعار لخام غرب تكساس فوق 70 دولاراً للبرميل، وبالتالي يرى "كوري" أن السعودية ستعتمد على انخفاض معروض خام النفط الصخري الأميركي، بدلاً من خفض إنتاجها.

ومن جانبه، يتوقع ديفيد بو خبير الطاقة بمصرف "ميريل لينش" أن أسعار النفط ستحوم حول سعر 80 دولاراً للبرميل، وأن انخفاضها تحت 80 دولاراً للبرميل انخفاض طارئ. وبالتالي، فإن معظم خبراء الطاقة الغربيين يرجحون أن ينتهي اجتماع "أوبك" المقبل إلى إبقاء سقف الإنتاج على مستوياته الحالية دون تغيير.

3 عوامل

وحسب خبراء في قطاع النفط، فإن هنالك ثلاثة عوامل رئيسية تحدد أسعار النفط هي: أولاً: عامل العرض والطلب العالميين على النفط. وثانياً: عامل أمن إمدادات الطاقة والاستقرار السياسي للدول الرئيسية المنتجة للنفط. وثالثاً: عامل المضاربات التي يجريها تجار النفط في الأسواق العالمية، خاصة في بورصة البترول الدولية في لندن، حيث يتحدد سعر خام القياس البريطاني وفي بورصة السلع الأميركية في نيويورك، التي تحدد سعر خام غرب تكساس الخفيف. وهو الخام الذي يحدد أسعار النفط الصخري الأميركي ومعظم الخامات المنتجة في الولايات المتحدة وكندا.

وحسب هؤلاء الخبراء، فإن المضاربات لن يكون لها دور يذكر في تحديد الأسعار خلال الفترة المقبلة، لأن التجار يضاربون حينما تتجه الأسعار لارتفاع، أما قضية أمن الطاقة والعوامل الجيوسياسية، فمن الصعب توقعها مع الحروب الأهلية في منطقة الشرق الأوسط الغنية بالنفط. وبقي عامل العرض والطلب الذي سيتحدد بناء على توجهات الاقتصاد العالمي خلال الفترة المقبلة.

ويراهن عدد من الخبراء على ارتفاع معدل النمو الأميركي وانخفاض إنتاج النفط الصخري الأميركي، وبالتالي سيساهم ذلك في رفع الاسعار فوق 80 دولاراً.

المساهمون