8سنوات على اجتياح جورجيا... المحطة الأولى بالتوسّع العسكري الروسي

8سنوات على اجتياح جورجيا... المحطة الأولى بالتوسّع العسكري الروسي

08 اغسطس 2016
ساكاشفيلي أثناء إحيائه ذكرى الحرب (فانو شلاموف/فرانس برس)
+ الخط -

لم يكن تاريخ 8 أغسطس/آب 2008 عادياً، حين قررت روسيا، وللمرة الأولى التحرّك عسكرياً خارج حدودها منذ سقوط الاتحاد السوفييتي، تحديداً باجتياحها جورجيا. في ذلك التاريخ، بدأت القوات الجوية الروسية بقصف أهداف في جورجيا، وفي السنوات اللاحقة، واصلت روسيا استخدام قوتها العسكرية عند بدء الأزمة الأوكرانية في عام 2014، تمهيداً لضمّ شبه جزيرة القرم، وصولاً إلى تدخلها في النزاع بسورية في عام 2015، بعيداً عن حدودها هذه المرة.

وجاء تحرك روسيا عسكرياً في جورجيا، بعد قصف القوات الجورجية في اليوم السابق مدينة تسخينفالي، عاصمة إقليم أوسيتيا الجنوبية الانفصالي، الموالي لروسيا، ومقتل أكثر من 10 جنود حفظ سلام روس. وأعلن الرئيس الروسي آنذاك، دميتري ميدفيديف، عن بدء ما أطلق عليه اسم "عملية الإرغام على السلام" في منطقة النزاع، التي استمرت حتى عبور القوات الروسية حدود إقليمي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، ودخولها الأراضي الجورجية.

ومع بدء الهدنة في 12 أغسطس، سارع الرئيس الفرنسي آنذاك، نيكولا ساركوزي، للتوجه إلى موسكو، واتفق مع ميدفيديف ورئيس حكومته آنذاك، فلاديمير بوتين، على مبادئ التسوية السلمية عرفت باسم "خطة ميدفيديف ــ ساركوزي".

وترتّبت على هذا النزاع الذي راح ضحيته مئات الأشخاص بين المدنيين والعسكريين، عواقب سياسية ودبلوماسية خطيرة، تمثلت في خروج جورجيا من رابطة الدول المستقلة، واعتراف روسيا باستقلال أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية في 26 أغسطس، وقطع العلاقات الدبلوماسية بين روسيا وجورجيا، وعودة موسكو إلى الساحة الدولية كقوة عسكرية، تفرض الأمر الواقع في حال المساس بمصالحها.

في هذا الصدد، يرى أستاذ العلوم السياسية بمعهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية، كيريل كوكتيش، أن "تدخّل روسيا في جورجيا أسفر عن عودة موسكو إلى الساحة الدولية، وأثبت قدرتها على الدفاع عن مصالحها على كامل فضاء الاتحاد السوفييتي السابق".




ويقول كوكتيش لـ"العربي الجديد"، إنه "قبل عام 2008، كان حلف الأطلسي يتوسع شرقاً وتحوّلت الأمم المتحدة إلى أداة للاستخدام أحادي الجانب من قبل الولايات المتحدة. لكن بعد عام 2008، لم يعد أمام القوى الدولية خيار سوى التحدث مع روسيا على أساس التكافؤ". ويضيف أنه "قبل عام 2008 كانت روسيا تعتمد على الكلام، ولكنها بدأت منذ عام 2008 تدعمها بالأفعال أيضاً، وهو ما تجلى بوضوح في تدخلها في كل من أوكرانيا وسورية".

وحول أسباب الاختلاف بين تصرف موسكو في تعاملها مع الأزمتين الأوكرانية والجورجية، وضمّها القرم (عام 2014)، وعدم ضم أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا، ينوّه كوكتيش، إلى أنه "كانت أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية تسعيان لنيل استقلالهما عن جورجيا فقط، بينما تعتبر القرم أرضاً رمزية وتاريخية لروسيا، أريقت فيها دماء روسية وصوت أكثر من 95 في المائة من سكانها لصالح الانضمام إلى روسيا".

وقد وقعت "حرب الأيام الخمسة" بعد موجة من التوتر في المنطقة، منذ بداية عام 2008، وسط استمرار تدهور العلاقات بين روسيا وجورجيا، منذ تولي الرئيس الموالي للغرب، ميخائيل ساكاشفيلي، زمام السلطة في البلاد، عقب ثورة الورد التي وقعت في عام 2003. وسعى ساكاشفيلي نحو التقارب مع الغرب وحلف الأطلسي، وهو أمر أثار استياء روسيا التي لم تكن تريد حليفاً أميركياً على حدودها".

ويُحمّل المحلل السياسي الجورجي، راماز ساكفاريليدزه، السلطات الجورجية وروسيا والغرب معاً المسؤولية عن وقوع الحرب. ويقول ساكفاريليدزه في اتصال مع "العربي الجديد" من العاصمة الجورجية تبليسي: "كان وقوع النزاع من مصلحة روسيا، ولكن ساكاشفيلي استجاب بسهولة للاستفزاز، وهو رد فعل غير عقلاني بأقل تقدير".

أما ما يتعلق بمسؤولية الغرب، فيشير إلى أنه "سبق لبوتين التلويح بأن روسيا قد تعترف باستقلال أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، في حال اعترفت الدول الغربية باستقلال إقليم كوسوفو عن صربيا. وكان بوتين يريد أن يفي بكلمته. وباعترافه باستقلال كوسوفو، حرّض الغرب بوتين على العدوان، وبذلك يتحمل المسؤولية غير المباشرة عما حدث".

وحول الأساليب التي يمكن لجورجيا اللجوء إليها لاستعادة سيطرتها على أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، يعتبر ساكفاريليدزه، أن "على جورجيا مواصلة العمل على الارتقاء بمستوى معيشة مواطنيها والاندماج في هيئات الاتحاد الأوروبي، ومع مرور الزمن قد يوجه سكان الإقليمين أنظارهم إلى جورجيا بدلاً من روسيا كما هو الحال الآن".

ووسط تبادل أطراف النزاع الاتهامات بالمسؤولية عن وقوعه، خرجت اللجنة الدولية لتقصي الحقائق التابعة للاتحاد الأوروبي في عام 2009، بنتيجة مفادها أن جورجيا هي التي بدأت الحرب، ولكن بعد أشهر من أعمال استفزازية قامت بها روسيا.

وعلى الرغم من التنديد الأوروبي باعتراف روسيا باستقلال إقليمي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية المواليين لها، إلا أن العلاقات الروسية الأوروبية استمرت بشكل طبيعي آنذاك، ولكنها دخلت أزمة حقيقية بعد ضم شبه جزيرة القرم ذات الأغلبية الروسية وتفاقم الوضع شرق أوكرانيا في عام 2014.

وتمثلت هذه الأزمة التي تعتبر الأكبر منذ انتهاء الحرب الباردة، في فرض عقوبات على قطاعات كاملة من الاقتصاد الروسي ورد موسكو بحظر استيراد المواد الغذائية من الدول الغربية، وقطع الاتصالات العسكرية وتراجع الاتصالات السياسية إلى أدنى مستوى.

دلالات

المساهمون