60 عاماً لمجزرة كفرقاسم: حصة فلسطين من العدوان الثلاثي

60 عاماً لمجزرة كفرقاسم: حصة فلسطين من العدوان الثلاثي

القدس المحتلة

نضال محمد وتد

نضال محمد وتد
29 أكتوبر 2016
+ الخط -
تظل مجزرة كفر قاسم التي يحيي أهلها ومعهم فلسطينيو الداخل، اليوم، الذكرى الستين لوقوعها، الشاهد الحي على مجازر الصهيونية. وهي وقعت بعد النكبة بثماني سنوات، تحت ستار رصاص العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، وتحت غطاء منع التجول العسكري الذي فرض على القرية، وغيرها من القرى، بحجة الظروف الأمنية وحالة الحرب المعلنة على مصر بزعامة جمال عبدالناصر. ومجزرة كفر قاسم هي واحدة من بين المذابح والمجازر المختلفة التي نفذتها العصابات الصهيونية قبل وبعد النكبة عام 1948 وخلال الحرب الإسرائيلية العربية الأولى، وتلك التي نفذها جنود الاحتلال لاحقاً. ولمجزرة كفر قاسم خصوصية تتمثل في فضح عدالة القضاء الإسرائيلي وازدواجية معاييره وتقليله من قيمة حياة الإنسان الفلسطيني. وتجلى ذلك بحجم الغرامة التي فرضتها المحكمة الإسرائيلية بعد افتضاح المجزرة، والمحاكمة الصورية للضباط والجنود الأحد عشر الذين شاركوا في تنفيذها. وحكم على قائد لواء حرس الحدود الذي أصدر أوامر القتل، سيسخار شيدمي، بدفع عشرة ملاليم (عملة مصرية قديمة)، أي ما يوازي قرشاً واحداً عن جرائم القتل، بعد إعفائه من تهمة إصدار أوامر القتل والادعاء بأن شهادة الضابط، شموئيل مالينكي، بأن شيدمي أصدر أوامر القتل كانت غير صادقة.

الطريق إلى المجزرة
وقعت مجزرة كفر قاسم المروعة التي سقط فيها 49 شهيداً من أهالي القرية، في التاسع والعشرين من أكتوبر/ تشرين الأول 1956، في اليوم نفسه الذي انطلق فيه العدوان الثلاثي (البريطاني والفرنسي والإسرائيلي) على مصر. ووقعت بعدما سعى الاحتلال، وفق روايته الرسمية، لفرض طوق أمني ونظام منع التجول على قرى ما يسمى بالمثلث الجنوبي الذي يضم قرى عربية في داخل الأراضي المحتلة، والمحاذي للخط الأخضر الفاصل عن الضفة الغربية الواقعة تحت الإدارة الأردنية، تحسباً من الرد الأردني مع بدء العدوان، ولضمان الهدوء الأمني في منطقة المثلث.

وكشفت تفاصيل المحاكمة التي جرت بعد عام من المجزرة، أن شيدمي كان تلقى أوامر عسكرية بفرض حظر التجول في قرى المثلث اعتباراً من الساعة التاسعة مساءً. لكنه وبشهادات الضباط، وفي مقدمتهم قائد القوة التي فرضت حظر التجول في كفر قاسم، مالينكي، قرر تقديم موعد نظام منع التجول من التاسعة مساءً ليبدأ في الخامسة من بعد الظهر، وفق التعليمات التي عممها على قادة فرق حرس الحدود. وعندما سأله مالينكي وعدد من القادة الآخرين حول مصير العمال العائدين من العمل ومن حقولهم دون معرفتهم بأمر منع التجول، أجابهم باقتضاب: "الله يرحمهم". وكانت هذه الإجابة واضحة وقاطعة، تم تنفيذها حرفياً في حالة كفر قاسم، وبعد نصف ساعة فقط من إبلاغ مختار القرية، وديع صرصور، بأمر منع التجول.


كان قسم كبير من سكان القرية يعملون في ذلك اليوم في قطف ثمار الزيتون في كرومهم وفي كروم الزيتون في اللد، بحسب شهادات عدد من الجرحى الناجين. ولم يكونوا يعرفون بأمر فرض نظام منع التجول. وعند عودتهم من حقولهم ومن أماكن عملهم، فوجئوا بقوات الجيش الإسرائيلي، وبإيقافهم وإنزالهم ومن ثم فتح النار عليهم بشكل عشوائي ومكثف بهدف القتل.

"احصدوهم"
وجاء في رواية أحد الجرحى الناجين، صالح خليل عيسى، الذي كان يبلغ من العمر 19 عاماً، كما وثّقها له خطياً في مستشفى بيلنسون (في مستعمرة بتيح تكفا التي أنشئت على أنقاض قرية ملبس)، الناشط اليساري، لطيف دوري: "وفي ذلك اليوم، الاثنين 29 أكتوبر/ تشرين الأول 1956، كنا وأبناء عمي الاثنين، منهم المرحوم عبد سليم عيسى، البالغ من العمر 22 سنة، والثاني أسعد سليم عيسى، البالغ من العمر 24 سنة، وبانتهائنا من العمل رجعنا على دراجاتنا إلى البيت في الساعة الرابعة. وعندما وصلنا إلى الجهة الغربية للقرية حوالي الساعة الرابعة وخمسين دقيقة، صادفتنا خلية من ثلاثة جنود الذين أشاروا إلينا بالوقوف، ومددنا أيدينا لجيوبنا لإخراج بطاقات الهوية لأننا ظننا أنهم يريدون فحصها. وإذ بأحدهم يصدر أمره بإطلاق النار علينا. فأطلقوا النار التي من جرائها قتل (...) عبد سليم عيسى وجرحنا أنا وابن عمي الثاني أسعد سليم عيسى فسقطنا على الأرض. وعندها شاهد الجنود دراجات أخرى تقترب فأمروهم بالوقوف ورأيت بأنهم يبلغون 11 شخصاً وبإمكاني إعطاء أسمائهم إذا ما طولبت بذلك، وأصدر أحدهم أمره قائلاً: احصدوهم، فأطلقوا النار عليهم وقتلوهم".

وتنضم شهادة خليل عيسى، التي تم جمعها من الجرحى في مستشفى بيلنسون، بعد يومين من المجزرة، إلى عشرات الشهادات التي تمكن من جمعها من شهود عيان، النائبان توفيق طوبي ومئير فلنر، بعد كسر الحصار الذي فرض على القرية إثر المجزرة. وكانت حكومة إسرائيل برئاسة دفيد بن غوريون فرضت حصاراً وتعتيماً إعلامياً للتستر على المجزرة. إلا أن أمر المجزرة كشف كلياً في أواخر نوفمبر/ تشرين الثاني، واضطر بن غوريون إلى تشكيل لجنة تحقيق، أمرت في نهاية المطاف بمحاكمة الجنود وقادة العملية.

أحكام مخففة وعفو رئاسي
لكن المحكمة الإسرائيلية التي حاكمت 11 جندياً وضابطاً بتهم القتل، حاكمت شيدمي، صاحب عبارة "الله يرحمهم"، فقط بتهمة تجاوز الصلاحيات. وبالتالي فرضت عليه غرامة مالية قدرها عشرة ملاليم فقط، أي قرش واحد، فيما فرضت أحكاماً متوسطة على بقية الجنود والضباط، تراوحت بين 7 و15 عاماً، ليتم خفض الأحكام من قبل محكمة الاستئناف ورئيس أركان جيش الاحتلال، ومع إصدار عفو من الرئيس الإسرائيلي. هكذا حلّ عام 1960، أي بعد أقل من أربع سنوات، وأصبح المتورطون في الجريمة خارج جدران السجن.

لم يقف العبث الإسرائيلي عند هذا الحد، وعند تحديد قيمة تعويضات هزيلة لأهالي الشهداء والجرحى، بل فرضت حكومة إسرائيل، بعد عام وشهر تقريباً، أي في نوفمبر/ تشرين الثاني 1957، على أهالي كفر قاسم إجراء "مصالحة" حضرها قادة عسكريون من الجانب الإسرائيلي وعدد من رؤساء البلدات الإسرائيلية المجاورة لكفر قاسم. وتم إلزام مختار القرية بحضور مراسم "المصالحة"، وإحضار مئات من السكان الفلسطينيين في الداخل، والذين كانوا تحت نظام الحكم العسكري، لحضور المراسم وإعلان "نهاية القضية".

وطوال السنوات الستين التي أعقبت المجزرة، رفضت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، ولا تزال، الاعتذار عن المجزرة أو الاعتراف بمسؤولية الحكومة عنها. واكتفى عدد من السياسيين، آخرهم الرئيس الحالي، رؤبان ريفلين، بإبداء الأسف على وقوعها، دون إبداء أي مسؤولية رسمية عنها.

وشكلت مجزرة كفر قاسم فصلاً مهمّاً في تاريخ الفلسطينيين، لا سيما في الداخل. وارتبطت بمحاولات إسرائيل "إكمال" مهمة الترحيل، ودفع سكان كفر قاسم ومن ثم قرى المثلث القريبة منها إلى الهجرة نحو الشرق، باتجاه الحدود الأردنية (إذ كانت الضفة الغربية المحتلة ضمن حدود الأردن بعد النكبة). إلا أن ذلك لم يتحقق. وقد نفت الحكومات الإسرائيلية لاحقاً، بعد الكشف عن المجزرة، أنها كانت جزءاً من مخطط لدفع الفلسطينيين في المثلث إلى النزوح للأردن. لكن المؤرخ الإسرائيلي، غادي الغازي، نشر عام 2009، مقالاً كشف فيه أن المجزرة كانت جزءاً من مخطط أطلق عليه اسم "خطة الخلد"، الذي هدف إلى إفراغ المثلث من سكانه الفلسطينيين، من خلال مجزرة مريعة تعيد للأذهان ويلات مجزرة دير ياسين وغيرها من المجازر الصهيونية التي ارتكبت خلال حرب النكبة.

ذات صلة

الصورة

مجتمع

قال الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، الخميس، إنّ قوات الاحتلال تقتل حوالي 4 أطفال كل ساعة في قطاع غزة فيما يعيش 43,349 طفلاً دون والديهم أو دون أحدهما..
الصورة

سياسة

أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي تعليق مغادرة جنود الوحدات القتالية ثكناتهم العسكرية مؤقتاً، وذلك بناء على تقييمه للوضع، مؤكداً أنه في حالة حرب
الصورة
هيبرت أمام البيت الأبيض وهو يضع لافتة للتنديد بالإبادة الجارية في غزة (العربي الجديد)

سياسة

لليوم الثاني على التوالي يواصل الطيار في القوات الجوية، لاري هيبرت، إضرابه عن الطعام أمام البيت الأبيض في واشنطن لتسليط الضوء على معاناة أطفال غزة.
الصورة

سياسة

استهدفت قوات الاحتلال الإسرائيلي سيارة تابعة لمنظمة "المطبخ العالمي المركزي" World Central Kitchen في مدينة دير البلح، وسط قطاع غزة، ليل الثلاثاء