Skip to main content
51 عاماً على النكسة: إسرائيل من عدو لحليف
عدنان الحسني
أقر بن سلمان بحق الإسرائيليين بأرض أجدادهم (ألكسندر دروزني/Getty)
"إن للإسرائيليين الحق في أن يكون لهم وطن"، لم يصدر هذا الحديث عن أحد زعماء إسرائيل أو أوروبا أو كبار المسؤولين في البيت الأبيض، لكنه صدر عن أكبر دولة عربية هي السعودية والقائل هو ولي عهدها محمد بن سلمان لمجلة أميركية، وكان توقيت صدوره بعد سبعة عقود على نكبة فلسطين ونصف قرن على نكستها واحتلال قدسها، سبعة عقود على النضال الفلسطيني والثورة والفدائيين والقومية والعروبة والوحدة والدفاع المشترك والمسميات الكبيرة والخطابات العنترية والمحصلة أنه بات في عرف البعض وظنه أن للإسرائيليين الحق في أن يكون لهم وطن.
لماذا إذن اُستدعيت كل الخطابات واُستهلكت القضية الفلسطينية في توظيف واستدعاء وتسليح وإنفاق، ومن الذي أضاع فلسطين واستثمر قضيتها وقدمها على مزاد السياسة والتطبيع والتقارب والاستقواء؟
لماذا يصر البعض بعد هذه السنين الطويلة كلها على التفريط في فلسطين وعندما احتلت إسرائيل جزءاً بالنكبة واستكملت البقية بالنكسة لم يجد البعض ما يفرط به فأصبح الاقتراب من إسرائيل والتودد لها تكملة لتضييع ما تبقى حتى من حقوق فلسطينية ولو على شكل مبادرة سياسية.
لم تكن جريمة إسرائيل أنها احتلت فلسطين كل فلسطين وكل مقدساتها فقط، أو في أنها هزمت الجيوش العربية مجتمعة مرتين، إسرائيل احتلت سيناء المصرية والجولان السورية، واجتاحت لبنان، وقسمت السودان وقصفت العراق وسورية واستباحت تونس ولم تبق عاصمة عربية واحدة لم تستبحها إسرائيل، هذه نتيجة موضوعية بعدما ضيع العرب فلسطين وباتت كل العواصم العربية مستباحة، والنتيجة أن الدول العربية مجتمعة فشلت أو لم تفلح في تحرير فلسطين ولا يبدو أنها تنوي فعل ذلك بعدما أقرت مجتمعة في قمة بيروت تقديم مبادرة سلام شاملة على وقع القصف الإسرائيلي لفلسطين إبان انتفاضة الأقصى وحصار الرئيس الراحل ياسر عرفات.
ألّا تفلح الدول العربية في التحرير قد يكون هذا مفهوما كون فلسطين لم تعد أولوية وأن يتقدم العرب بالسلام قد يكون هذا خيارا بعد أن عجزت الدول العربية عن وقف ومنع الاستباحة الإسرائيلية لأجوائها وأراضيها ومقدراتها وقد يكون تكتيكا لا نعلم بواطنه، ولكن أن تصبح إسرائيل دولة صديقة وحليفة لبعض العواصم العربية وخاصة السعودية والإمارات بعد مصر وأن يُصبح التحول الاجتماعي والديمقراطي والانفتاح في هذه الدول جزءا من ترويض الرأي العام للقبول بإسرائيل والإشادة بها هذا ما لم يكن في الحسبان حتى في أسوأ كوابيس التردي العربي وانبطاحه، بل لم يكن في أحلام إسرائيل نفسها أن تصبح يوماً صديقا وحليفا للدول العربية بغض النظر عما يحدث في فلسطين!
يقول رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو في التاسع من الشهر الجاري أثناء زيارته لبريطانيا إنّ كيانه سيطبع مع 99% من العرب قبل التطبيع مع الفلسطينيين، ويضيف في لقاء مع برنامج "نيوزنايت" على قناة "بي بي سي" البريطانية، إن "هناك تغييراً كبيراً يحدث في العلاقات بين إسرائيل والدول العربية وإن كثيرا من تلك الدول بدأت تتقارب مع إسرائيل". وكرر نتنياهو القول إنه "لم يكن ليخطر ببالي أنني سأشهد في حياتي مثل هذه العلاقات الودية وهذا التعاون بين إسرائيل والدول العربية".
عندما كان نتنياهو يقول ما سلف كانت إسرائيل قد قتلت أكثر من 60 فلسطينياً في قطاع غزة في يوم واحد خلال مسيرات العودة وكسر الحصار، وكان هؤلاء قد خرجوا أيضاً لإحياء ذكرى النكبة ولرفضهم نقل السفارة الأميركية للقدس التي بالمناسبة ما كانت واشنطن لتقدم على مثل هذه الخطوة في مثل هذا اليوم إلا بالتنسيق وبمعرفة ومباركة الدول العربية.
في المقابل لم تتحرك عاصمة عربية واحدة لمنع القتل الإسرائيلي حتى الجماهير التي كانت تخرج وتقترب من فلسطين غُيبت ونجحت هذه الأنظمة في إشغالها وإلهائها وترويضها، لأنها تعلم أنه لا يجتمع الاقتراب من فلسطين والتطبيع مع إسرائيل.
مسار العلاقة بين إسرائيل والدول العربية لم يعد مجرد تطبيع فقط، لم تعد إسرائيل عدوا بل باتت أكثر من حليف، حدثت عملية انقلاب طاولت الفكر والممارسة وشملت الشعبي والرسمي، ولم يعد الأمر مجرد معاهدات واتفاقيات سلام، الطعنة الكبرى أن بعض الدول العربية باتت تتعاطف مع إسرائيل، وانتقل من علاقات بين رجال أعمال، ليصبح اجتماعا إسرائيليا سعوديا من أجل إحياء ذكرى المحرقة "الهولوكست" ففي إبريل/نيسان الماضي شارك رجل الأعمال السعودي مازن الصواف برفقة عضو الكنيست رفائيل ايلول في مسيرة الحياة لإحياء ذكرى المحرقة في بولندا، حدث ذلك في الوقت الذي كان فيه الفلسطينيون يُحيون ذكرى النكبة ويسيرون عُزلا في وجهة القناصة الإسرائيليبن في مسيرات العودة.
بعد أكثر من خمسين سنة على النكسة وسبعين سنة على النكبة وكلاهما كانت نتيجة سوء تقدير عربي في التعاطي مع إسرائيل، لم يعد مطلوباً من الدول العربية إصلاح ما أفسدته أو استعادة ما ضيعته، ولم يعد ممكنا في قناعة ووعي وإدراك هذه الدول مواجهة ومحاربة إسرائيل، بات التقارب والتحالف مع إسرائيل هو التكتيك وهو الإستراتيجية وهو الخيار الوحيد الذي تعيه وتفهمه الأنظمة العربية.
وإن كان لا بد لهذه الدول من السلام والتسوية فهذا شأنها لكن أن تتحول إسرائيل من عدو إلى حليف وعلى وقع التهويد والقتل والاستباحة والعربدة، فهذه نكسة عربية جديدة تضاف لسجل النكسات، إذا كانت بعض الدول العربية ترى أنه لا بد من إقامة علاقات مع إسرائيل فلتكن علاقة ندية لا علاقة ترضية لإسرائيل على حساب الحقوق العربية والفلسطينية.
إسرائيل هي التي بحاجة للدول العربية وللعلاقة معها وليس العكس كما تبديه بعض الدول العربية، كيف تستقوي بعض الدول العربية بإسرائيل لمواجهة إيران في حين تعادي بعضها البعض وتحاصر بعضها البعض. إن تحقيق الوحدة بين الدول العربية تبعاته أكبر من تبعات التحالف مع إسرائيل وإن تكوين جبهة عربية واحدة قادر وكفيل بمواجهة التدخلات الإيرانية لكن البعض اختلق الخطر الإيراني للاقتراب من إسرائيل فقط لا غير، وفي رواية أنور عشقي " أن عداء المملكة لإسرائيل هو فقط تضامني مع الفلسطينيين لا أكثر ولا أقل".