5 سنوات على مجزرتي رابعة والنهضة: العدالة مغيبة

5 سنوات على مجزرتي رابعة والنهضة: العدالة مغيبة

القاهرة

العربي الجديد

العربي الجديد
14 اغسطس 2018
+ الخط -
تحوّلات كبيرة شهدها المشهد المصري خلال خمس سنوات من فضّ قوات من الشرطة والجيش الاعتصامين السلميين لمؤيدي الرئيس المعزول، محمد مرسي، في ميداني رابعة العدوية، ونهضة مصر، صبيحة 14 أغسطس/آب 2013، ما خلّف مجزرة قرابة ألف وخمسمائة قتيل بين صفوف المدنيين، وآلاف الجرحى والمصابين، كان عنوانها الأبرز "محاولة كف يد العدالة عن المسؤولين عن هذه الجرائم" على حد تعبير منظمة هيومن رايتس ووتش، أمس الاثنين، في موازاة تثبيت سلطة الانقلاب بقيادة عبدالفتاح السيسي، وإبعاد كل الخصوم وإغلاق الأبواب بوجههم. 

خلال هذه الفترة غُيّبت العدالة، فسلطة الانقلاب الحاكمة رفضت اتخاذ أي خطوة لمحاسبة المتورطين في قتل والاعتداء على آلاف المدنيين، بل عمدت إلى تحصين قادة الجيش والشرطة الذين كانوا المسؤولين عن هذا المشهد في ذلك اليوم الأسود من أغسطس 2013. وتخطت سلطة عبدالفتاح السيسي الدستور برفض برلمانها إصدار قانون للعدالة الانتقالية، كما صمّت آذانها عن دعوات المجتمع الدولي لـ"المصالحة المجتمعية". ولم تكتفِ بذلك، بل أطلقت يد القضاء في محاكمة رافضي الانقلاب، فحكمت بإعدام 75 منهم الشهر الماضي في القضية المعروفة بـ"فض اعتصام رابعة"، والتي يحاكم فيها مئات المعتصمين الذين جرى اعتقالهم أثناء عملية الفض، في حين لم يُتهم أي رجل أمن من الذين أشرفوا ونفذوا مذبحة فض الاعتصام.

مسار تثبيت الانقلاب ومحاولات التغطية على الجريمة استُكمل بمكافأة الكثير من الشخصيات التي هاجمت المعتصمين وحرّضت على فض الاعتصامين، فسهّل النظام وصولها إلى البرلمان بعدما قدّمت فروض الطاعة له.
على الضفة الأخرى، مثّلت مجزرة رابعة والنهضة لحظة فارقة لبعض الوجوه الليبرالية وحتى الإسلامية التي كانت تشجّع على الإطاحة بحكم "الإخوان المسلمين" ومحمد مرسي، فالدماء التي سالت في الساحتين يومها دفعت الكثير من هؤلاء لمراجعة قرارهم والعودة عن دعم الانقلاب. أما الذين نجوا من مجزرة فض الاعتصامين عام 2013، فلم يجد الكثير منهم خياراً أمامه سوى مغادرة البلاد، بعد توجيه اتهامات لهم بما هدد بزجهم في السجون، لتحملهم رحلات الهروب نحو أراضٍ بعيدة، وتتحوّل كوريا الجنوبية ومالاوي والصومال إلى ملاذات لهم.

رفض للمصالحة
"نحن نواجه الإرهاب بلا هوادة، ولن نشرع في مصالحة إلا بالشعب، فالشعب المصري هو صاحب قرار المصالحة"، بهذه الكلمات جدد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي موقفه الثابت من رفض المصالحة مع جماعة "الإخوان"، التي يعوّل كثيراً على معارضتها لحكمه الاستبدادي في تبرير إجراءاته القمعية بحق المصريين، فضلاً عن تخوّفاته غير المعلنة من المساءلة القانونية في حال إقرار تشريع للعدالة الانتقالية. وقال السيسي، خلال فعاليات مؤتمر الشباب الذي عُقد أخيراً في جامعة القاهرة إن "بلاده كانت معدّة للاشتعال خلال فترة اعتصامي رابعة العدوية والنهضة، إلا أن رجال الجيش والشرطة قدّموا حياتهم من أجل تحقيق الأمن والاستقرار".

ولم تتخذ سلطة الانقلاب الحاكمة منذ 3 يوليو/تموز 2013، أي خطوة على طريق محاسبة المتورطين في قتل وإصابة الآلاف من المدنيين، أو إزاء "المصالحة المجتمعية" التي ينادي بها المجتمع الدولي، بل ضرب مجلس النواب بنصوص الدستور عرض الحائط، والذي يلزم المجلس في مادته رقم 241 بإصدار قانون للعدالة الانتقالية في أول دور انعقاد له، بينما مرت ثلاثة أدوار انعقاد كاملة للبرلمان من دون أن يتطرق للقانون.

في المقابل، أصدرت محكمة جنايات القاهرة، حكماً بإعدام 75 معارضاً من رافضي الانقلاب، في 28 يوليو/تموز الماضي، في القضية المعروفة إعلامياً بـ"فض اعتصام رابعة"، والتي يحاكم فيها 739 من المعتصمين الذين جرى اعتقالهم أثناء عملية الفض، بدعوى اتهامهم بـ"ارتكاب جرائم التجمهر، وتعطيل ‏المرافق العامة والطرق"، في حين خلت قائمة الاتهام من رجال الأمن الذين أشرفوا ونفذوا مذبحة فض الاعتصام.

وقالت منظمة العفو الدولية "أمنيستي" عن قرار المحكمة المصرية: "إن المحاكمة الجماعية افتقرت لأدنى ضمانات المحاكمة العادلة، فضلاً عن مجافاتها للعقل، كونها تضم المصور الصحافي، محمود أبو زيد (شوكان)، ولم تتطرق إلى محاسبة أحد من أفراد الأمن المسؤولين عن قتل ما لا يقل عن 900 شخص خلال فض اعتصامي رابعة والنهضة (مستندة في ذلك الرقم إلى الإحصائيات الرسمية)".

اتهام "الإخوان"
ولم تنظر محكمة مصرية واحدة في اتهامات أسر الضحايا لمسؤولين في البلاد، أو تُخضعهم لتحقيقات بشأن تلك الأحداث، غير أن الحكومة المصرية شكّلت لجنة "شكلية" لتقصي الحقائق حول أحداث 30 يونيو، في 21 ديسمبر/كانون الأول 2013، خرجت بتقرير صادم للرأي العام بعد أحد عشر شهراً، يحمّل جماعة "الإخوان" وأنصارها، مسؤولية الدماء التي سقطت في ميداني رابعة العدوية ونهضة مصر، مع إعفاء قوات الجيش والشرطة من أي مسؤولية جنائية.


وحسب مصدر نيابي بارز في اللجنة التشريعية بالبرلمان، فإن "تعليمات سيادية (رئاسية) وردت إلى رئيس مجلس النواب، علي عبدالعال، بعدم فتح النقاش مجدداً حول قانون العدالة الانتقالية، والاكتفاء بمشروع القانون، الذي أصدره البرلمان في مارس/آذار الماضي، لتعويض ضحايا ومفقودي ومصابي الجيش والشرطة، وأسرهم، اعتباراً من تاريخ العمل بالدستور في 18 يناير/كانون الثاني 2014، من دون أن يتعرض إلى حقوق الضحايا المدنيين".

وقال المصدر، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "المادة الدستورية نصت على وضع أطر للمصالحة الوطنية، والمحاسبة، وتعويض الضحايا، وفقاً للمعايير الدولية، وهو ما يصعب تحقيقه خلال الفترة الراهنة، أو على الأقل خلال ولاية السيسي الثانية (الفترة الأخيرة ما لم يُعدل الدستور)، لأن القانون لا بد أن يتضمن فترة زمنية محددة، ومن الصعب تجاهل أحداث جسام كفضّ اعتصامي رابعة والنهضة، واللذين كان الرئيس الحالي أحد أصحاب قرار فضهما".
وأفاد المصدر بأن التشريع في حال إصداره، يجب أن يتضمن معايير معممة، وغير انتقائية، لتسري أحكامه على جميع ضحايا الأحداث التي شهدتها البلاد، منذ تاريخ اندلاع الثورة في 25 يناير/كانون الثاني 2011، مشيراً إلى أهمية حصر القانون لكل أحداث العنف من دون تمييز، والمساواة بين جميع الضحايا سواء من الأمن أم المدنيين، علاوة على ضحايا التعذيب أو الإهمال داخل السجون.

وفي 19 يناير/كانون الثاني الماضي، قال السيسي، في فعاليات مؤتمر "حكاية وطن"، "إن جماعة الإخوان حاولت الترويج للخارج بأنه ما حدث في 2013 (الإطاحة بمرسي) كان تغييراً بالقوة، وليس من خلال إرادة الشعب"، متابعاً "كانت هناك بؤرتان قائمتان (الاعتصامان)، والتعامل معهما كان يلزمه زخم شعبي على غرار ما حدث... فنزول ملايين المصريين في يوم التفويض منحنا شرعية للتحرك، حتى نعيد ضبط الأمن والاستقرار داخل الدولة".
وأضاف السيسي: "رد الفعل الدولي كان كبيراً، وكان الإخوان مستعدين للمظلومية، والقول إن هناك ثلاثة أو أربعة آلاف شخص ماتوا خلال الفض"، مستطرداً "مؤسسات الدولة كانت في وضع صعب، ولم تكن قادرة على مجابهة ما يحدث... وكان من الممكن أن تصدر إجراءات عقابية من منظمة دولية كمجلس الأمن ضد مصر، لولا موقف الملك السعودي الراحل، عبدالله بن عبد العزيز، وإطلاقه بياناً يؤكد فيه أن أي مساس بمصر هو مساس بالمملكة".

تحسين صورة السيسي
ويرى مراقبون أنه لا توجد أي مؤشرات لدى السلطة الحاكمة في ملف العدالة الانتقالية، أو تشكيل لجان تحقيق محايدة، في ضوء خضوع القضاء لهيمنة السلطة التنفيذية، موضحين أن "الترويج لملف المصالحة مع الإخوان يستهدف تحسين صورة السيسي لدى الغرب، في ظل الانتقادات المستمرة لأوضاع حقوق الإنسان في مصر من قِبل المنظمات الدولية، خصوصاً مع تصاعد الهجمة الأمنية الأخيرة، والزج بالعشرات من المدونين والصحافيين والحقوقيين في السجون".

إلى ذلك، حثت منظمة "هيومن رايتس ووتش" مجلس النواب المصري على إصدار قانون للعدالة الانتقالية في وقت سابق، ينص على إجراء تحقيق محايد في وقائع القتل الجماعي للمتظاهرين في أغسطس/آب 2013، بعدما أكدت المنظمة ذاتها أن عدد ضحايا فض اعتصام رابعة لا يقل عن 1150 قتيلاً بين المدنيين، ووصفت ما جرى بأنه "أكبر مذبحة للمحتجين في التاريخ المعاصر، وجريمة ضد الإنسانية".

وفي 15 مايو/أيار 2017، أعلن رئيس لجنة الإعلام في مجلس النواب، أسامة هيكل، عدم اعتزام البرلمان إصدار تشريع للعدالة الانتقالية، بذريعة أن "المجتمع المصري غير مهيأ للمصالحة مع جماعة الإخوان، في ظل استمرار أعمال العنف، وعدم إعلانها الرغبة في المصالحة، وإجراء مراجعات على أفكار أنصارها"، متابعاً "كان من الممكن التزام البرلمان بالدستور، في حال تضمنه صياغة أخرى، خلاف الواردة في المادة 241 منه". وأضاف هيكل، في مؤتمر صحافي آنذاك، أنه "لا يمكن الالتزام بالمستحيل، لأن المادة الدستورية تنص في طياتها على المصالحة مع جماعة الإخوان، بينما المجتمع يرفض تلك المصالحة"، معتبراً أن المناخ الحالي لا يسمح بطرح مثل هذا القانون، والذي وصفه بأنه "أحد فخاخ لجنة الخمسين لإعداد الدستور"، والتي ترأسها المرشح الرئاسي السابق عمرو موسى.
وكان هيكل قد أعلن، في تصريحات سابقة، رفض ائتلاف "دعم مصر" (يتمتع بالأغلبية داخل البرلمان) لمسألة إصدار قانون للعدالة الانتقالية، بعد أن اتهم واضعي المادة الدستورية بـ"التواطؤ على الدولة"، قائلاً: "نحن لا نحتاج إلى قانون عدالة انتقالية، فالدولة باتت مستقرة، والمادة الدستورية كارثية، لأن طرح فكرة المصالحة سيؤدي لانقسام المجتمع من جديد... ثم ما المقصود بتعويض الضحايا؟ وهل كان يُقصد بهم ضحايا رابعة؟".

بدورها، تبرأت الحكومة من القانون، بعدما أوقفت عمل اللجنة المكلفة بإعداده، تحت إشراف وزير الشؤون النيابية السابق، مجدي العجاتي، بحجة أن "الدستور لا يُلزم الحكومة بتقديم مشروع القانون إلى البرلمان، وأن الأخير هو الملزم دستورياً بإصداره"، وذلك لما تمثّله بعض الأحداث من عقبة أمام إصدار القانون، لا سيما فض اعتصام رابعة، بيد أن القانون يحدد المسؤول عن الضحايا الذين سقطوا خلال تلك الأحداث، ومن ثم محاسبتهم.

وإزاء استمرار محاولات النظام الإفلات من العقاب، لخصت مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش، سارة ليا ويتسن، سياسة النظام المصري بالقول إنه "بعد 5 سنوات على مذبحة رابعة، كانت الاستجابة الوحيدة من السلطات هي محاولة كف يد العدالة عن المسؤولين عن هذه الجرائم"، مشيرة إلى أن "ردّ حلفاء مصر على جرائم رابعة وعدم إنصاف الضحايا كان الصمت المطبق". قالت ويتسن: "دون إحقاق العدالة، تبقى أحداث رابعة جرحاً نازفًا. يجب ألا يَأمَن المسؤولون عن عمليات القتل الجماعي بحق المحتجين على أنفسهم من المساءلة إلى الأبد".

ذات صلة

الصورة
مئات يترقبون انتشال المساعدات على شاطئ بحر غزة (محمد الحجار)

مجتمع

يواصل الفلسطينيون في قطاع غزة ملاحقة المساعدات القليلة التي تصل إلى القطاع، وبعد أن كانوا يلاحقون الشاحنات، أصبحوا أيضاً يترقبون ما يصل عبر الإنزال الجوي.
الصورة

سياسة

نقلت وكالة "رويترز"، اليوم الجمعة، عن أربعة مصادر أن مصر بدأت تمهيد منطقة على الحدود مع قطاع غزة يمكن استخدامها لإيواء لاجئين فلسطينيين.
الصورة

منوعات

شهدت كلمة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، اليوم الأربعاء، موجة من السخط والدهشة، بعدما قارن حالة المصريين في ظل التردي الاقتصادي بحالة أهالي قطاع غزة.
الصورة

سياسة

كشف تحقيق لصحيفة "ذا غارديان"، الاثنين، عن أن الفلسطينيين اليائسين لمغادرة قطاع غزة يدفعون رشاوى لسماسرة تصل إلى 10 آلاف دولار، لمساعدتهم على مغادرة القطاع.