3 افلام 3 قارات: مآزق شبابية في عالم اليوم

3 افلام من 3 قارات: مآزق شبابية في عالم اليوم

01 يناير 2020
شانون مورفي: تراجيديا الشباب (فيتوريو سونينو زيلوتو/Getty)
+ الخط -
شاركت 3 أفلام (إنتاج 2019) من 3 قارات في المسابقة الرسمية للدورة 18 (29 نوفمبر/ تشرين الثاني ـ 7 ديسمبر/ كانون الأول 2019) لـ"المهرجان الدولي للفيلم بمرّاكش": Bombay Rose للهندية جيتانجلي روا، وSole للإيطالي كارلو سيروني، وBabyteeth للأسترالية شانون مورفي (جائزة أفضل ممثّل لتوبي والاس). 3 أفلام و5 شخصيات لشبان في العشرينيات من أعمارهم، يعيشون أوضاعاً متشابهة من الإكراهات، الناتجة عن الهشاشة الاجتماعية وتبعاتها النفسية.

هذا مثير لمقارنة نقدية سوسيولوجية أكثر منها فنية، للأهمية القصوى لأوضاعهم في عالم اليوم، وتأثيرها على الغد.

فيلم هندي يروي قصّة حبّ تتوقّف قبل القُبلة. يغضب المتفرّجون، لأنهم يريدون مُشاهدة القبلة. لديهم تفسير: "سعادة الفقير لا تدوم". يغادر شبابٌ القاعةَ التي تعرض فيلماً بوليوودياً إلى شوارع بومباي. يعبرون العتبة الفاصلة بين الحلم والواقع. بوليوود جنّة، وبومباي جحيم. الأخدود بينهما هائل. تشجّع المدن الشاطئية على الحلم. الخطر أنّ المبالغة في الحلم تعيق التصالح مع الواقع.

الأخدود بين والواقع والخيال ترتقه الأغاني المرافقة: "في قلبي محيط من الدمع، فما ضرورة البحر؟". ترد الأغنية على الملاحظة. تحضر الثقافة الشفهية في الأغاني والأمثال: يتسكّع البحر طويلاً، ثم يعود البيت إلى البحر الذي ينتظره. يعود الشباب إلى واقعهم. يكشف الفيلم شذرات من الشارع: صقر خليجي يحلّق ويحوم على جميلات الهند لبيعهنّ في دبي. يملك القوّاد نفوذاً زائداً بفضل دعم الشرطي الفاسد له. طفل مشرّد يحصل على عمل، فتعتقله الشرطة لأن عمل الأطفال ممنوع. هندوسي ينصح البطل بالبحث عن مسلمة ليشتري لها حجاباً. يفعل، فيخرج له الفقيه.

شاب وشابة يبيعان الورد على رصيفين متقابلين من الشارع نفسه. بائعة الياسمين بالتقسيط تحلم بدبي، والشاب يفكّر ببيع شيء من جسده، هو كلّ ما يملكه. يعيش الشابان مأزقين، اقتصادي وإيديولوجي عنصري. خيارات الخروج من البؤس قليلة. يُمكن للشابة أنْ تشتري عقداً في دبي، ويُمكن للشاب أنْ يبيع كلية.

في الفيلم الإيطالي، تبيع المراهقة جنينها لتهاجر إلى ألمانيا. مراهقة هاربة من أوروبا الشرقية إلى إيطاليا. لكن إيطاليا لم تعد أرض أحلام بالنسبة إلى المهاجرين. يتشابه الفيلمان الهندي والإيطالي في ضغط الزمن. في الثاني، المراهقة في مرتبة عالية من الحاجة. جاهزة هي، بوعي تام، للمساومة على كلّ شيء فور تلقّيها الطلب. بيع جنين ليس عملية سهلة كبيع هاتف. يجب أن يبلغ الجنين 9 أشهر، ثم يولد سليماً. حينها، يصبح الدفع واجباً. عثر المشتري على أب شكلي للجنين. شاب منطفئ كحفنة رماد. فتى هامشي متكلّس الوجه والمشاعر كجثة. يدفع المشتري مالاً كثيراً طول فترة الحمل. الأخطر عليه مدارات البائعة، والأب المستعار مدمن قمار. فيلم بإيقاعٍ بطيء جداً، يصوّر حياة شابين تُشبه متاهة سلالم العمارات وأروقة المستشفيات. في النهاية، يتمّ تفريغ المشاعر بالبكاء. زمن الوصول إلى هذا طويل وثقيل.

الفيلم الأسترالي أكثر تراجيدية، لكنّ أسلوب السرد الرشيق يجعله خفيفاً وممتعاً. مُراهقة مريضة تعشق شاباً مُشرّداً، فيستأجره والدها ليُسلّيها، مؤقّتاً. يصير للشاب مسكن وتغذية وأسرة، لكنّ غراباً يُحلّق فوق رأسه، ربما يُنهي هذا فجأة. العيش في المؤقّت مُقلق. الفيلم الأسترالي مثلٌ لطراوة السينما. مصدر الطراوة، بحسب رئيسة لجنة التحكيم تيلدا سوينتن (ندوة صحافية)، هي أنْ يطفح الفيلم بالإنسانية، ويكون مفعماً بمشاعر جيّاشة.

تتشابه الأفلام موضوعاً، لكن أساليب السرد مختلفة.
الفيلم الهندي رسوم متحرّكة، مرسومة باليد. يتشكّل الديكور بواسطة "رتوش" على الشاشة. فيلمٌ يستثمر العلاقة بين التشكيل والسينما. لوحات متتابعة تصير فيلماً. هذا عمل يتناص مع أفلامٍ عن صناعة السينما. بعد "حدث ذات مرة في هوليوود" (2019) للأميركي كوانتن تارانتينو، و"بونويل بعد العصر الذهبي" (2018) للإسباني سلفادور سيمو، يأتي دور بوليوود الوردية. إنه موسم الـ"ميتا سينما".

الفيلم الإيطالي كئيب، بينما الألوان تغنّي في الفيلم الهندي، الساخر من مبالغات السينما الهندية، مقارنة بين الشاشة والواقع. يعيش جمهور "مهرجان مرّاكش" بعض هذين الوضعين. فبينما تُعرض أفلام مُركّبة ومُعقّدة في مقرّ المهرجان، تُكرَّم شعبياً النجمة الهندية بريانكا شوبرا، في "ساحة جامع الفنا"، حيث يحقن حكواتيّو مرّاكش حكاياتهم الشفهية بجرعة خيال عجائبية. النجمة ذات الجسد الأسطوري تُلهم عشّاقها من بعيد. هكذا تحقن أفلامُ بوليوود جمهورَها، في كلّ مكان في العالم، بجرعة حلم زائدة، لتُعادل بها بؤس الواقع. توجد نقاط لقاء: بفضل الخيال والحلم، تتخمّر الحكايات، فيسكر عشّاقها.

الفيلم الهندي ذهاب وإياب بين الواقع والخيال. الفيلم الأسترالي ذهاب وإياب بين التراجيديا والكوميديا. إنّه دليل على أن المونتاج كإيقاع يجب أن يكون في السرد والحدث، ليكون في الصُور. أندره تاركوفسكي يقول إنّه لا يُمكن تسريع الإيقاع بلقطاتٍ متتابعة وقصيرة، إذْ يجب أن يكون هناك توتّر في الأحداث ليَسهل على المونتير خلق التتابع. الحياة بحر متقلّب، لذلك يصعب على المتفرّج توقّع ما سيجري، إزاء منعرجات السرد.

في الفيلم الأسترالي قوّة أداء، ولوحات شاعرية، بالإضافة إلى شريط صوتي غني، فيه أغانٍ كثيرة. النتيجة متناغمة مع الإيقاعين الموسيقيّ والبصري. إدارة الممثلين معقودة على مخرجة مشتغلة طويلاً في المسرح. ديكور المنزل مفتوح للضوء، ويسهل التنقّل بين المسبح والمطبخ وغرف النوم. عمل الكاميرا هائل، والصُوَر شاعرية، فيها ألوان عديدة يغلب عليها أصفر باهت. يبدو أن هذا هو لون الموت. ينتهي الفيلم بكادر تغادره الشخصيات، يمتدّ أكثر من دقيقتين، ويلخّص بصرياً مشاعر الخواء التي يشعر بها المتفرّج.

فيلمٌ يحمل بصمة مخرجة تُدرك أحاسيس البشر. نموذجٌ لسينما نسوية تساهم في إغناء السينما العالمية. تُطمئن ريبيكا زلوتوفسكي (كاتبة سيناريو ومخرجة فرنسية مُشاركة في لجنة التحكيم) القلقين من هذه اللمسة، قائلة: "هناك انطباع بأنّ نظرة النساء ستمحو وتلغي نظرة الرجال. هذا غير وارد نهائياً. سنضيف لمستنا فقط".

الأفلام الـ3 هي الأولى لمخرجيها. في ندوة لجنة التحكيم، وتفاعلاً مع برمجة "المهرجان الدولي للفيلم بمرّاكش" أفلاماً أولى وثانية، تؤكّد أندريا أرنولد (مخرجة بريطانية مُشاركة، هي أيضاً، في لجنة التحكيم) أنّ لها "حساسية خاصة تجاه الأفلام الأولى، إذْ يضع فيها الفنانون كلّ شغف البدايات وإبداعاتها".

دلالات

المساهمون