Skip to main content
3 أسباب لعودة التوتر الحقوقي بين ألمانيا ومصر
العربي الجديد ــ القاهرة
تحقق ألمانيا استفادات عدة من استقرار حكم السيسي(فرانس برس)
عاد التوتر ليخيّم على العلاقات المصرية الألمانية في مجال حقوق الإنسان ودعم منظمات المجتمع المدني، بعد انتهاء زيارة المفوضة الألمانية الفيدرالية لحقوق الإنسان، بيربيل كوفلر، إلى القاهرة، والتي استغرقت 4 أيام من 2 إلى 5 مارس/آذار الحالي، أجرت خلالها لقاءات مع عدد من النشطاء الحقوقيين والمسؤولين الحكوميين ومديري المنظمات الألمانية، وكذلك المدعومة من برلين.

وكانت كوفلر قالت قبيل زيارتها إنّ وضع حقوق الإنسان في مصر تدهور بشكل كبير في السنوات الأخيرة، وأعربت عن شعورها بالقلق خصوصاً إزاء القيود الهائلة المفروضة على حرية التعبير والتجمّع، وإزاء التعامل بشكل تعسّفي مع وسائل الإعلام المستقلة. وشددت على أنها ستؤكّد رفض الحكومة الألمانية لعقوبة الإعدام، وستبذل جهداً لدعم الحقوقيين المصريين.

وقالت مصادر دبلوماسية مصرية، لـ"العربي الجديد"، إنّ المفوضة الفيدرالية التي تنتمي للحزب الديمقراطي الاشتراكي، الشريك الحكومي لحزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي الذي تنتمي إليه المستشارة أنجيلا ميركل، قد أبدت العديد من الملاحظات على سوء الأوضاع الحقوقية في مصر، بسبب التزايد المستمر في أعداد المتهمين الذين يتعرضون للإعدام في قضايا ذات بعد سياسي. وأضافت أنّ كوفلر ناقشت مسؤولين بالخارجية المصرية حول ما وصفته بأسباب "التعنت في تنفيذ البرامج والأنشطة التنموية التي تدعمها الحكومة الألمانية"، وذلك وفقاً للاتفاق الساري منذ عام 2016 بين البلدين، عرفياً، خارج إطار القانون، والذي كان عقده شرطاً لعودة الدعم المالي الألماني للجمعيات والمنظمات.

وكان هذا الاتفاق الذي توصّلت إليه الحكومتان يقضي بالسماح استثنائياً للهيئات الألمانية بمنح دعمها للمنظمات والجمعيات المصرية عبر وزارة التضامن الاجتماعي، بعد توقّف دام سنوات عدة على خلفية تفجير قضية "التمويل الأجنبي للمجتمع المدني" نهاية عام 2011، مقابل الحصول على موافقة الأمن الوطني على كل فعالية أو نشاط تقدم المنظمات الألمانية أو المدعومة من الحكومة الألمانية في مصر على تنفيذه.

لكنّ التطبيق العملي لهذا الاتفاق أوضح أنّ الموافقات الأمنية تصدر فقط على كل ما له صلة بدعم الجهود التنموية أو المرفقية، ولا تصدر أي موافقة على الأنشطة الحقوقية أو الخاصة بالتطوير المعرفي والاجتماعي، لشعور الأمن بخطورة ذلك على النظام الحاكم.


وبحسب المصادر، فإنّ الوزيرة السابقة ومستشارة السيسي حالياً، السفيرة فايزة أبو النجا، هي العقل المدبر لهذا التعسّف في تطبيق الاتفاق، وهو ما يزعج الجانب الألماني كثيراً، رغم وجود اتفاق داخل الحكومة الألمانية على عدم المخاطرة برفع سقف الدعم للأنشطة ذات البعد السياسي، وذلك لعدم وجود أي تصوّر بشأن إمكانية الاستغناء عن السيسي أو زعزعة استقرار نظامه، وهو ما يحصر الانتقادات الألمانية حتى الآن في الحوارات الرسمية داخل الغرف المغلقة.

وتحقق ألمانيا منافع عدة من استقرار حكم السيسي أولها بلا منازع حصول الشركات الألمانية الكبرى على عقود استثمارية ضخمة في قطاعات الكهرباء والطاقة، والتي كانت هي المحرك الأساسي لزيارة ميركل للقاهرة واستقبالها السيسي مراراً بعد الاعتراف بشرعيته بشكل متأخر. أمّا الاستفادة الثانية، فهي نجاح السيسي في الحدّ من ظاهرة الهجرة غير الشرعية منذ 2016، ما يدفع برلين لدعم جهود النمسا وإيطاليا لدفع الاتحاد الأوروبي لعقد اتفاق خاص مع مصر في هذا الشأن، على غرار الاتفاق الموقع مع تركيا. أما الاستفادة الثالثة، فهي بخصوص تنسيق التعاون الاستخباراتي حول تيارات الإسلام السياسي والمهاجرين العرب والمسلمين الجدد إلى ألمانيا.

إلى ذلك، أشارت المصادر الدبلوماسية إلى أنّ هناك سبباً آخر للغضب الألماني الأخير بشأن الوضع الحقوقي، إذ تلقّت المفوضة تشكيكا من قبل عدد من الحقوقيين إزاء جدية السيسي في تعديل قانون الجمعيات الأهلية بعد انقضاء نحو 3 أشهر على نهاية المهلة المحددة لتقديم المشروع الجديد المعدل إلى البرلمان، والبدء في عملية التعديلات الدستورية التي ستشغل مجلس النواب إلى بداية مايو/أيار المقبل، ما يجعل تمرير المشروع المعدل صعباً في الدورة البرلمانية الحالية. وهو ما قد يعني أنّ السيسي كان يخادع الغرب بتلويحه بتعديل القانون لتخفيف الضغط الذي تمارسه عواصم مختلفة، وخصوصاً واشنطن، لا سيما أنه يعتقد أنه أغلق باباً أساسياً للقلق بإنهاء الشقّ الأجنبي من قضية تمويل المنظمات، وإصدار محكمة النقض حكماً ببراءة جميع المتهمين.

وفي هذا السياق؛ كشفت مصادر حكومية لـ"العربي الجديد"، أنّ لجاناً خاصة من جهازي الاستخبارات العامة والأمن الوطني (أمن الدولة سابقاً) اجتمعت الشهر الماضي مع ممثلي منظمات المجتمع المدني الأجنبية في مصر، والجهات المانحة التابعة لحكومات الولايات المتحدة وألمانيا والدول الاسكندنافية، بغية التوصّل إلى "اتفاقات ثنائية" مع كل جهة بشأن مقترحات التعديل من جهة، وبشأن خطة عملها في مصر للعامين المقبلين من جهة أخرى.

ويأتي هذا التحرّك في إطار محاولة السيسي لإرضاء الحكومات الأجنبية وضمان استمرار ضخّها أموال المساعدات للجمعيات المصرية، لأن المؤسسات التابعة للحكومات لا تستطيع تحمل عبء الحركة وتوجيه الأموال ومباشرة الأنشطة في جميع المحافظات، وبالتالي فإنّ حاجتها لجمعيات مصرية تكون وعاءً لمساعداتها الاجتماعية يحتم عليها ضرورة الاستعانة بتلك الجمعيات، ويحتم على الحكومة المصرية اتخاذ التدابير اللازمة لاستمرار ذلك التدفق، والذي انخفض بصورة ملحوظة منذ صدور القانون المستهدف تعديله حالياً في مايو / أيار2017.

وكانت الخارجية المصرية قد خاطبت نظيراتها في تلك الدول بعد صدور القانون، لتعطيل عمل المنظمات والمؤسسات المانحة لمنظمات المجتمع المدني غير الحكومية في مصر، بحجة وجوب توفيق أوضاع هذه المنظمات المصرية أولاً، خصوصاً إذا كانت تعمل في المجال الحقوقي، وسواء كانت تمر عبر وزارة التضامن الاجتماعي أو وزارات أخرى أو مؤسسات تعليمية مصرية أو أجنبية عاملة داخل مصر، أو كانت تمر عبر قنوات غير شرعية وغير مراقبة إدارياً من قبل الحكومة المصرية. ويأتي ذلك بهدف تجفيف منابع تمويل المنظمات الأهلية القائمة بصورة غير مشروعة، وكذلك وقف الأنشطة السياسية والتثقيفية والاجتماعية غير المرغوب فيها من قبل النظام.

وكان مصدر دبلوماسي أوروبي قال لـ"العربي الجديد" في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي تعليقاً على دعوة السيسي لتعديل القانون، إنّ "التعديل لن ينعكس بالإيجاب على الوضع الحالي، الذي تمارس فيه الحكومة الضغوط عرفياً لإجبار الدول الغربية على توجيه الدعم إلى جمعيات بعينها يؤيد مديروها النظام الحاكم، رغم عدم تمتعها بالخبرة الكافية في مجالات العمل الإنساني أو الحقوقي". وأضاف أنّ "بعض الدول كألمانيا والسويد والدنمارك وهولندا، اضطرت لتوجيه الدعم لجمعيات جديدة أو أخرى غير مختبرة من قبل، لإتمام مشروعات المساعدة التي بدأت بالفعل. فهناك قائمة طويلة من الجمعيات القائمة المحظور التعامل معها بسبب مواقفها السياسية، أو تصنيفها أمنياً، وفي حالة الإصرار على إرسال تمويل لها، يتم تجميده بدون مبررات".