2400 خطأ طبي في السعودية العام الماضي

2400 خطأ طبي في السعودية العام الماضي

04 مارس 2015
الأخطاء الطبية تفوق الأعداد المعلن عنها (العربي الجديد)
+ الخط -



لم تكن وفاة الإعلامي السعودي محمد الثبيتي أمس الثلاثاء بخطأ طبي في مستشفى البرج الطبي في الدمام حادثاً فردياً، فالأخطاء الطبية في السعودية متواصلة وبشكل مستمر، تخطف أرواح أكثر من 70 مريضاً كل عام وتصيب أضعاف ذلك الرقم بمشاكل مختلفة. وكل خطأ طبي يحدث في السعودية تقابله وزارة الصحة بعقوبات، لكنها لا تكفي لعلاج المشكلة ولا حتى لامتصاص الغضب الشعبي.


فقد فتحت وفاة محمد الثبيتي الملف الشائك من جديد، ومازال السعوديون يتذكرون الخطأ الطبي الذي تسبب بإصابة طفلة في الثانية عشرة من عمرها بفيروس نقص المناعة المكتسب (الايدز) بعد أن نقل لها أطباء مستشفى الملك فهد في جازان دماً ملوثاً بالفيروس، وبعد أشهر قليلة فقط من الحادثة التي أثارت الرأي العام السعودي تعرض مريض آخر في المنطقة الشمالية لخطأ مشابه، وأصيب بالفيروس القاتل بعد أن نُقل له دم ملوث، وكذلك في العام الماضي قدم مدير مستشفى حائل العام استقالته بسبب خطأ طبي ارتكبه أحد الأطباء وتسبب بوفاة جنين وإصابة أمه بفشل كلوي بعد أن نقل لها دماً مخالفاً لفصيلة دمها.

هذه الحوادث تشكل نموذجاً للأخطاء الطبية التي باتت تقع باستمرار وبكثرة في مستشفيات السعودية. وخلال أواخر العام ماضي أيضاً تعرض سبعة مرضى لمشاكل بسبب نقل دماء ملوثة بفيروسات مختلفة، ما عرّض الكثيرين لفيروس"مارسا" داخل المستشفيات ذاتها.

ويؤكد مختصون في الشأن الصحي السعودي أن العقوبات التي تتخذها وزارة الصحة ضعيفة لا تكفي لكي تكون رادعاً، فطبيب التخدير الذي تسبب بوفاة الثبيتي والذي تم منعة من السفر فور دخول الإعلامي السعودي في غيبوبة لن تتجاوز عقوبته الغرامة المالية. ويشدد الخبراء على أن كثرة الأخطاء الطبية في المستشفيات السعودية تؤكد أن ما يحدث ليس مجرد أخطاء فردية بل مشكلة في منظومة العمل ككل.


ويتهم الطبيب المختص بأمراض الدم الدكتور أحمد العنزي منظومة العمل في وزارة الصحة بالتسبب بالأخطاء الكارثية التي تحدث في المستشفيات، ويراها أكبر من مجرد أخطاء فردية، ويقول لـ"العربي الجديد" إن: "الأمر يعتمد على نظام المستشفيات، لا ينبغي أن تركن لأفراد فقط فلا بد من وجود نظام معين يكون صارماً للحد من الأخطاء"، مضيفاً "عندما تعاقب طبيباً يتقاضى 90 ألف ريال شهرياً بغرامة قدرها 30 ألفاً لأنه تسبب في لإصابة مريض بعجز دائم، فلا تتوقع أن تكون هذه العقوبة البسيطة كافية لأن يركز الطبيب على عمله".

وبحسب تقرير رسمي أصدرته وزارة الصحة ارتكب 1759 طبيباً و1945 ممارساً للرعاية الصحية أخطاء طبية في العام الماضي فقط، وهناك أكثر من 2400 قضية قدمت إلى اللجنة الطبية المختصة، واعتلت قائمة الأخطاء الطبية التي تحدث أثناء الولادة قمة القائمة التي تقدر نسبتها بنحو 70 في المئة، وأوضح التقرير أن أعلى نسبة في ارتكاب الأخطاء الطبية هي للأطباء المصريين بنسبة 44 في المئة، يليهم السعوديون بنسبة 15 في المئة، والسوريون 9 في المئة والهنود 6  في المئة.

ويكشف مختص في التأمين الطبي لـ"العربي الجديد" أن الأخطاء الطبية الكبيرة والتي هددت حياة المرضى بلغت في العام الماضي 315 خطأ طبياً، وتم دفع أكثر من 12 مليون ريال كتعويضات عليها بمتوسط 38 ألفاً عن الخطأ الواحد. ويضيف فايز البريكي "هناك أكثر من 214 قضية لا تزال مرفوعة وقد تتجاوز قيمة التعويضات فيها العشرة ملايين ريال".

ويبين البريكي أنه يتم دفع قرابة 100 ألف ريال عن الخطأ الطبي الذي لا يؤدي للوفاة، وبحسب متطلبات الهيئة السعودية للتخصصات الطبية، فإن التأمين مفروض على الأطباء الممارسين والجراحين ومتخصصي أمراض النساء والولادة والتخدير.

غرامات قليلة

 

لا تتجاوز الغرامة في معظم الأوقات 100 ألف ريال إذا لم تتسبب بموت المريض، ولكن في الحالات العادية التي لا تسبب عجزاً للمريض فإنها تتراوح ما بين 10 آلاف و30 ألف ريال، وفي حالة الوفاة فإنها لا تتجاوز الدية الشرعية والمقررة بـ300 ألف ريال.


وقبل شهرين غرّمت اللجنة الطبية الشرعية طبيبة أمراض نساء سعودية تعمل في مستشفى مكة للنساء والولادة بمبلغ 2,2 مليون ريال، لارتكابها سلسلة طويلة من الأخطاء الطبية راح ضحيتها أجنة ومواليد وأمهاتهم، كما وجهت إنذاراً للشؤون الصحية في مكة المكرمة للسماح لها باستمرار عملها كطبيبة، على الرغم من ارتكابها العديد من الأخطاء القاتلة. وكانت الطبيبة قد حُولت قبل أربع سنوات إلى السلطات المختصة للتحقيق معها، بعد أدانتها بارتكابها عدة أخطاء طبية وصفت بالفادحة والناتجة من إهمال جسيم.

ويتهم دكتور القلب فهد الماضي وزارة الصحة بالمسؤولية عن تردّي الوضع الصحي في السعودية، مؤكداً أن الوضع الصحي لم يتحسن على الرغم من تضخم ميزانية الوزارة عاماً بعد عام، والتي وصلت إلى 160 مليار ريال سنوياً. ويقول لـ"العربي الجديد": "ليس هناك مخططون متخصصون في الوزارة، فلا يكفي التوسع في المباني ورفع عدد الأسرة في المستشفيات، ولا بد من توفير الكفاءات والكوادر الطبية والمختبرات الجيدة أيضاً".

ويشدد الماضي على أن الوضع الصحي في السعودية لم يتحسن على الرغم من تولي أكثر من وزير قيادة الوزارة التي تشرف على القطاع الصحي، وقال: "لم يتحسن الوضع الصحي في السعودية، فالوزارة لا تزال تمر بمرحلة سيئة"، معتبراً أن مشكلة وزارة الصحة الأكبر تكمن في مركزيتها والتي لا تمكنها من متابعة هذا القطاع العريض من المستشفيات التي تقع تحت مسؤوليتها. ويضيف "وزارة الصحة ضخمة ولا يمكن أن تدار بمركزية كالتي يصر القائمون عليها". ويتابع "التطبيق في الميدان ضعيف والرقابة أضعف، وهي إذا لم تكن قادرة على تطبيق ما تخطط له فهذا يعني أن هناك مشكلة إدارية فيها، سواء في الرقابة أو اختيار العاملين".

وعلى ذات الاتجاه، تؤكد طبيبة عاملة في وزارة الصحة، طلبت عدم ذكر اسمها خوفاً على وظيفتها، أن مشكلة الوزارة أكبر من الأخطاء الفردية للأطباء، فهناك خلل كبير في طريقة إدارة العمل، وتقول الدكتور(س) لـ"العربي الجديد": "نعاني من المركزية ومن سوء الإدارة، الأطباء الجيدون يُحاربون بينما تمنح المزايا للأطباء الأقل قدرة لأنهم مقربون من المسؤولين الكبار". وتتابع "أكثر من طبيب أجنبي ارتكب أخطاءً وقامت المديرية بتسفيره قبل القبض عليه، والعذر في كل مرة أنهم لا يعلمون أنه مطلوب في قضية، مع أنه يجب أن يكون لديهم علم بكل ما يُرفع من قضايا لأنهم الجهة التي يشتكي لها المرضى".


ويتفق استشاري الأمراض التناسلية الدكتور ماجد العمري مع ما يقوله الدكتور الماضي ويشدد على أن وزارة الصحة تفتقد التخطيط السليم، ويقول: "لا توجد إستراتيجية واضحة لدى وزارة الصحة، وليس هناك حلول، وهم يسيرون على ذات النمط القديم، وبالتالي من الطبيعي أن تزيد الأخطاء الطبية"، مضيفاً "بالتأكيد الأخطاء التي يقع فيها الأطباء أكثر بكثير من المُعلن عنها لأن كثيراً من المرضى لا يشتكون، وكثراً منهم لا يعلمون في الأصل أنهم تعرضوا لخطأ طبي، لأن الأطباء لديهم تعليمات بالتغطية على بعضهم البعض، وعدم فضح الأخطاء التي تقع من زملائهم كي تتجنب الوزارة المسؤولية".

ويأمل السعوديين أن تحرك وفاة الثبيتي الذي عُرف عنه فضح الأخطاء الطبية خلال عمله كصحافي في جريدة اليوم، دون أن يعلم أنه سيموت هو نفسه بخطأ طبي. ولكنهم يخشون أن تمر القضية مثل القضايا السابقة والتي بلغت 2400 قضية العام الماضي، وسط الخدمات الصحية المتردية، وهو ما سيشكل تهديداً أكبر لحياتهم.

اقرأ أيضاً:أدوية منتهية الصلاحية بنصف مليار جنيه في مصر 
اقرأ أيضاً:الأدوية المزورة تهدّد حياة الموريتانيين

المساهمون