ماذا يفعل العرب وهم يكتشفون، كل يوم، أن المشروع الوطني الفلسطيني المتطلِّع إلى استعادة
أرضه وبناء دولته، يُواجه باستمرار أشكالاً جديدة من الغطرسة الصهيونية، وأن المنظمات الدولية لم تَعُدْ قادرةً على تنفيذ القوانين التي أصدرت وتصدر ضِدَّ الكيان الصهيوني؟ ومقابل ذلك، تتخلَّى أنظمة عربية كثيرة عن القضية الفلسطينية، لتنخرط بشكل معلن في عمليات التطبيع مع إسرائيل.
نُوَدِّع سنة 2019 ونحن نُعايِن أشكالاً جديدة من الفوضى والارتباك في العلاقات الدولية، حيث ازدادت الصراعات ضراوةً بين القوى العظمى. وأصبح واضحا أن القوى المذكورة تفضل، في أشكال مواجهاتها الجديدة في بؤر الصراع القائمة، استخدام وسائط وآليات تجنبّها بعض ويلات الحرب التي تصيب، في النهاية، الوسطاء من التابعين لها والخاضعين لسطوتها.. ويبدو أن المشرق العربي، بكل ما يشتعل اليوم في مدنه وقراه من خراب ودمار، يعتبر العنوان الأبرز في دوائر الصراع بين الولايات المتحدة وروسيا والصين والاتحاد الأوروبي، ومن دون أن نغفل الأدوار الكبرى التي أصبحت تتقاسمها القوتان الإقليميتان، إيران وتركيا، مع القوى العظمى في المجال السياسي العربي.
ازداد الصراع، في نهاية هذه السنة، في كل من ليبيا والعراق ولبنان، وتحوّلت ليبيا، كما البحر الأبيض المتوسط، إلى فضاء جديد للمناوشات المتصلة بالموضوع الليبي. وبدأت لعبة تقسيم ليبيا بمثابة أمر مكشوف، حيث تساند فرنسا مع مصر والإمارات اللواء المتمرّد، خليفة حفتر في بنغازي، وتنخرط تركيا بحرياً في تمكين حكومة طرابلس من الآليات التي تُمَكِّنُها من
مواجهة مليشيات حفتر. ويواصل النظام الطائفي في العراق وقف الانتفاضة الشعبية الهادفة إلى إسقاطه. كما تواصل الدولة العميقة والمهيمنة في لبنان مواجهة الشباب المتطلع إلى وطنٍ للجميع.
نودّع السنة المنصرمة وقد تعدّدت الصراعات والحروب، كما تعدّدت الانتفاضات في مناطق عديدة. لقد أصبحنا نعيش في عالمٍ لا تختفي منه أبدا أشكال العنف المتجدِّدة والمتطورة باستمرار. ولم نعد في العالم العربي بعيدين عن كل ما يجري في قلب ديارنا وفي العالم، بل تحوّلنا، في السنوات الأخيرة، إلى بؤرة ومحطة للاختبار والتجريب، من دون أن نعي أن هذا سيخلّف آثاراً مكلفة في حاضرنا ومستقبلنا.
تتسع دوائر الخراب في عالمنا في مستويات أخرى، حيث امتلأت عوالمنا الافتراضية، في الأيام الأخيرة المواكِبة لأعياد الميلاد واحتفالات السنة الجديدة، بحكايات مرتبطة بالتحولات الفلكية المنتظرة سنة 2020، من قَبِيل احتمال سقوط مُذَنّبٍ كبير من السماء، أو الانفجارات البركانية المرتقبة في بعض أعماق سواحل المتوسط، وكذا الزلازل المنتظرة. ولو كان الأمر يتعلق باستعاراتٍ تشير إلى صور الخراب وأنماط الدَّمَار الحاصلة اليوم في اليمن وفي سورية والعراق وليبيا، لاعتبرنا الأمر بمثابة حكاياتٍ رمزيةٍ مُعَبِّرة عن خراب مدننا وتداعيات الثورات التي انطلقت في مجتمعاتنا، إلا أن المواقع والأشخاص الذين يتحدّثون عن الظواهر الفلكية، يقدّمون ما يفيد بأن روايتهم تمتلك سَنَداً حسابياً مرتبطاً بمعارف وعلوم فلكية معيَّنة.
ولأنني أخاف، مثل غيري، من الكوارث الطبيعية، فقد قرأت فيها فقط أشكالاً من الحكايات المعبِّرة عن مآلاتنا في السياسة والاجتماع والثقافة والتاريخ، ورأيت أن المواقع التي تُعْنَى بها تمارس نوعاً من الهروب من مختلف الويلات والفواجع الفعلية المنتشرة في مجتمعنا.