19 عاماً على اغتيال رابين: افتضاح أكذوبة حمامة السلام

19 عاماً على اغتيال رابين: افتضاح أكذوبة حمامة السلام

05 نوفمبر 2014
من ذكرى اغتيال رابين في تل ابيب (فرانس برس)
+ الخط -

تحيي إسرائيل رسمياً، اليوم الأربعاء، الذكرى السنوية التاسعة عشرة لاغتيال رئيس الحكومة الأسبق يتسحاق رابين، وفق التقويم العبري، علماً بأن اغتيال رابين وقع في الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني 1995 على يد المتطرف يجئال عمير، الذي أقر أنه نفذ الاغتيال بعدما نال فتوى من الحاخامين اليهود تبيح قتل رئيس حكومة في حال عرّض "أرض إسرائيل للخطر".

ومثّل اغتيال رابين حالة فريدة مقارنة بباقي الاغتيالات السياسية، وذلك بفعل النتائج التي تبعتها وفوز المرشح المناهض لرابين، بنيامين نتنياهو برئاسة الحكومة، وهو الذي مثل أكثر من أي شخص آخر في إسرائيل، جماعات اليمين المتطرف التي لم توقف تحريضها على رابين لمجرد إبرامه اتفاق أوسلو، والاعتماد على أصوات النواب العرب في الكنيست لتجنيد الأغلبية لتمرير الاتفاق.

وبالرغم من الجدل في إسرائيل حول مدة دور وأثر تحريض نتنياهو ومشاركته في التظاهرات العنيفة ضد رابين، إلا أن النتيجة المباشرة ظهرت في تغيير المشهد الإسرائيلي كله، ورفع اليمين الإسرائيلي رأسه بعدما فاز نتنياهو بفارق ضئيل للغاية على شمعون بيريز لم يتعدَّ الـ27 ألف صوت.

وإذا كان كثيرون من متابعي الشأن الإسرائيلي، وقعوا في مطب البكاء على "الديمقراطية الإسرائيلية" مع اغتيال رابين، وافتضاح حجم ومدى الفاشية في إسرائيل بعد سقوط القناع، فإن اليسار الصهيوني كان أول من سعى إلى البحث عن سبل "لتوحيد صفوف الشعب اليهودي" مع اختيار شعار صهيوني وعسكري للحوار بين اليسار واليمين، هو "أمر المصالحة". وقاد العملية رموز اليسار الصهيوني، بدءاً من يوسي سريد ودادي تسوكر مع أقطاب اليمين المتطرف وعلى رأسهم الوزير المتطرف، أحد أقطاب وقادة حركة غوش إيمونيم الاستيطانية، يتسحاق ليفي.

في المقابل، حظي رابين بعد مقتله، بتطهير كامل لسيرته العسكرية والحربية من قبل دعاة السلام الإسرائيلي، بمن في ذلك بعض الناشطين والأحزاب العربية، وتحويله إلى "حمامة سلام". وكان أبرز من فعل ذلك بعد هبّة القدس والأقصى بالذات، رئيس لجنة المتابعة العليا السابق، شوقي خطيب، من "الجبهة الديمقراطية" الذي قال حينها عن رابين "وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر" وهو ما جرّ انتقادات شديدة في صفوف الفلسطينيين في الداخل.

كسب رابين "هالته" ومكانته بفعل مسيرته العسكرية وكونه رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الذي كان على رأس وحدته التي احتلت القدس وفق الصورة المشهورة له مع موشيه ديان، وهما يقتربان من حائط البراق. وفي وهج "صناعة رابين"، تناسى كثيرون أن رابين شكل طيلة صراعه داخل حزب العمل مع منافسه وخصمه اللدود شمعون بيريز، ممثلاً للجناح المتشدد في تيار الحركة العمالية، وهذا ما جعله لاحقاً يسعى، مع اسحق شمير، إلى إفشال اتفاق لندن بين الملك الأردني الراحل، حسين بن طلال، مع بيريز في عام 1987، داعياً إلى تكسير عظام الفلسطينيين في الانتفاضة الأولى مع اندلاعها، بينما كان يشغل منصب وزير الأمن.

حتى خلال المفاوضات الإسرائيلية ــ الفلسطينية في أوسلو بموازاة جلسات مؤتمر مدريد، لم يكن رابين هو المتحمس للاتفاق بقدر ما كان ذلك بفعل ضغوط شمعون بيريز الذي أقنع رابين أن مسار أوسلو يتيح لإسرائيل الانفراد بالفلسطينيين، من جهة، ويجنبها ضغوطاً دولية وعربية إذا واصلت المفاوضات سيرها وفق مسار مدريد الأصلي.

لا يمكن التنبؤ اليوم بمآل الأمور لو لم يحصل اغتيال رابين الذي أدى إلى صدمة إسرائيلية داخلية فضحت عمق التفكير العنصري لدى الإسرائيليين، حين اعتبروا علانية أن أكثر ما أصابهم بالذهول هو "أن يقوم يهودي بقتل رئيس حكومة إسرائيل". علماً بأن اغتيال رابين لم يكن الجريمة السياسية الأولى في إسرائيل، فقد سبقتها جرائم أخرى، منها قتل الناشط اليساري الإسرائيلي إميل غرينتسبيرغ خلال تظاهرة في تل أبيب ضد حرب لبنان، وجريمة قتل رئيس المكتب السياسي للوكالة اليهودية، حاييم أرلزوروف في عام 1933، التي وظفها دافيد بن غوريون لتكريس سيطرة الحركة العمالية الصهيونية على الوكالة اليهودية ولاحقاً على دولة إسرائيل لعقود طويلة.

اللافت في جريمة رابين، وفق ما لاحظه الكاتب الإسرائيلي، سيفي راخليفسكي، أن إسرائيل هي الدولة الوحيدة التي خسر فيها الحزب الذي قتل زعيمه في أول انتخابات بعد الجريمة. وأشار راخليفسكي في هذا السياق إلى أن اغتيال جون كينيدي رسّخ مثلاً انتصار ليندون جونسون في الولايات المتحدة، وفوز حزب المهاتما غاندي لثلاثين عاماً بعد اغتياله. وبحسب راخليفسكي، "فقط في إسرائيل ورّث من قاد التحريض ضد رابين تحت شعار بالدم والنار سنطرد رابين"، وهو بنيامين نتنياهو، الحكم.

منذ مقتل رابين وفوز نتنياهو، تمكن اليمين الإسرائيلي من استعادة ثقته بنفسه، وبسط سيطرته على مجمل نواحي الحياة في إسرائيل، وبات اليوم يتمتع بأغلبية تفوق ثلثَي أعضاء الكنيست، مقابل تراجع وانهيار معسكر اليسار الإسرائيلي وأحزاب الوسط، لدرجة لا يبدو فيها في الأفق الإسرائيلي أي احتمال لتشكيل حكومة غير يمينية في إسرائيل في المستقبل المنظور.