17 انتهاكاً دستورياً للبرلمان المصري خلال 8 أشهر

17 انتهاكاً دستورياً للبرلمان المصري خلال 8 أشهر

30 أكتوبر 2016
غياب شبه تام للمعارضة تحت قبة البرلمان (العربي الجديد)
+ الخط -
يتجه مجلس النواب المصري إلى ارتكاب مخالفة دستورية جديدة، إذ يُمرر مع عودة جلساته الأسبوع الحالي، قراراً رئاسياً بتمديد حالة الطوارئ في مناطق عدة في محافظة شمال سيناء، لمدة ثلاثة أشهر جديدة، للمرة التاسعة على التوالي، ابتداء من 31 أكتوبر/تشرين الأول الحالي، فيما فُرضت الطوارئ للمرة الأولى على سيناء في أكتوبر/تشرين الأول 2014.
ومن المنتظر أن يُلقي رئيس الحكومة شريف إسماعيل، بياناً مُكرراً أمام البرلمان اليوم الأحد، عن الأسباب الداعية لتمديد حالة الطوارئ، وفق قرار الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي نصّ على حظر التجوال في المناطق المحددة طوال مدة إعلان الطوارئ من السابعة مساء وحتى السادسة من صباح اليوم التالي حتى نهاية يناير/كانون الثاني 2017.
مخالفة الدستور أمر توسع فيه البرلمان المصري، بشكل ملحوظ، وهو الذي أشرفت على اختيار أعضائه، دوائر أمنية واستخباراتية، شكّلها السيسي لضمان الموالاة، وسط غياب تام للمعارضة تحت القبة في سابقة برلمانية، باستثناء معارضة ناعمة من داخل النظام، ممثلة في تكتل (25-30)، الذي يضم 15 نائباً من أصل 595 عضواً.
فالمجلس النيابي وافق على تمديد حالة الطوارئ مرتين سابقتين، في إبريل/نيسان ويوليو/تموز الماضيين، في مخالفتين للدستور، إذ نصت المادة 154 منه على أن يكون "إعلان حالة الطوارئ لمدة محددة، لا تتجاوز ثلاثة أشهر، ولا تُمدد إلا لمدة أخرى مماثلة، بعد موافقة ثلثي عدد أعضاء المجلس".
وينبري نواب السيسي في الدفاع عن مخالفاتهم الدستور، بدعوى أنه لا يرتب عليها عقوبة، في تناقض صريح، إذ مرر البرلمان ذاته قانون الإرهاب، الذي يُعدّ تعطيل أحكام الدستور "عملاً إرهابياً"، وكذلك قانون العقوبات، الذي وصف مخالفة الدستور على أنها "جريمة" تُفضي إلى عقوبة السجن.

مخالفات منذ الانطلاق
انتهاك الدستور بدأ مع أولى جلسات مجلس النواب في العاشر من يناير/كانون الثاني الماضي، إذ رفض مرتضى منصور أداء اليمين الدستورية، وفق نص المادة 104 من الدستور، وأضاف كلمة "مواد الدستور"، على الرغم من عدم وجودها بالقسم، لأنه يرفض الاعتراف بثورة 25 يناير التي وردت بديباجة الدستور، ويعتبرها "مؤامرة".
وجاءت المخالفة التالية سريعاً في ثاني جلسات البرلمان، بعد أن قرر رئيسه علي عبد العال، وقف البث المباشر للجلسات، استناداً إلى طلب 40 نائباً، بدعوى وجود حالة من الانفلات داخل القاعة، لا يجب تصديرها لوسائل الإعلام، مع بداية أعمال المجلس. وعلى الرغم من وعد عبد العال بعودة البث عقب إقرار القوانين الصادرة من رئيس الجمهورية في غياب البرلمان، إلا أن البث لم يعد منذ وقتها في مخالفة للمادة 120 من الدستور، التي نصّت على أن "جلسات مجلس النواب علنية"، مع جواز انعقاده في جلسة سرية بناء على طلب رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء.
في السياق، عُدّ الخدمة المدنية القانون الوحيد الذي رفضه مجلس النواب تحت ضغوط شعبية من العاملين في جهاز الدولة الإداري، ببداية دور انعقاده، من أصل 342 قانوناً صدرت بقرارات من الرئيسين، الانتقالي عدلي منصور، والحالي عبد الفتاح السيسي، في غياب البرلمان، ومنح الدستور الأخير حق قبول أو رفض تلك القوانين خلال 15 يوماً.
إلا أن حكومة شريف إسماعيل تقدّمت بالقانون مرة أخرى للمجلس النيابي بذات دور الانعقاد، ما يعدّ مخالفاً للمادة 122 من الدستور، التي نصّت في فقرتها الأخيرة على "عدم جواز تقديم كل مشروع قانون أو اقتراح بقانون رفضه المجلس، ثانية، في دور الانعقاد نفسه".
من جهة أخرى، ألزمت المادة 109 من الدستور أعضاء البرلمان بتقديم إقرار ذمة مالية عند شغل العضوية، وعند تركها، وهو ما لم يلتزم به أكثر من نصف النواب، فيما كانت منظمات حقوقية محلية ودولية، قد رصدت انتهاكات واسعة عبر شراء أصوات الناخبين من رجال أعمال فازوا في الانتخابات البرلمانية.
كذلك فإن البرلمان رفض الاستجابة لملاحظات مجلس الدولة الدستورية، بشأن لائحته الداخلية، وأصر على إدراج موازنته رقماً واحداً في الموازنة العامة، وعدم إخضاعها لمراقبة الجهاز المركزي للمحاسبات، على الرغم من أن المواد 185 و191 و203 من الدستور، حدّدت بشكل حصري، الجهات القضائية والمحكمة الدستورية والقوات المسلحة بإدراج موازناتها رقماً واحداً، دون غيرها.

من الموازنة إلى القروض والأجور
أُقرت الموازنة العامة للدولة عن العام الحالي بمخالفة جلية للدستور، إذ لم تعبأ الحكومة أو البرلمان، بما جاء بنصوص المواد 18 و19 و238 من الدستور، بشأن "التزام الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي، لا تقل عن 3 في المائة من الناتج القومي الإجمالي للصحة، و4 في المائة للتعليم اعتباراً من موازنة 2016/2017".
واقتطعت الحكومة من مخصصات الصحة والتعليم لصالح زيادة باب الأجور في موازنة وزارة الداخلية بمبلغ مليار ونصف المليار جنيه (نحو 169 مليون دولار)، وقطاع شؤون السلامة العامة، الذي يضم العاملين في مصلحة السجون ووزارة العدل والمحكمة الدستورية، والهيئات القضائية المختلفة، وزادت مخصصاته بأكثر من 5 مليارات جنيه (563 مليون دولار) عن العام الماضي.


وفي مخالفة أخرى، جاء اتفاق الحكومة على قرض صندوق النقد الدولي ليُشكّل انتهاكاً دستورياً جديداً، إذ نصّت المادة 127 على أنه "لا يجوز للسلطة التنفيذية الاقتراض، أو الحصول على تمويل، أو الارتباط بمشروع غير مدرج في الموازنة العامة المعتمدة، يترتب عليه إنفاق مبالغ من الخزانة العامة للدولة لمدة مقبلة، إلا بعد موافقة مجلس النواب". وكان لا بد من أن تسبق موافقة البرلمان توقيع الحكومة على القرض، في حين لم تُرسل الأخيرة الاتفاقية من الأساس إلى البرلمان، على الرغم من مُضيها قدماً في ترتيبات استلام الدفعة الأولى من القرض، والمحددة بنحو 12 مليار دولار.
من جهة أخرى، وافق المجلس على قانون حكومي بزيادة المعاشات للمدنيين بواقع 10 في المائة، بعد تعديل الحد الأدنى لزيادتها إلى 125 جنيهاً فقط، من خلال رفع الأيدي، من دون الأخذ بالتصويت الإلكتروني، على الرغم من تطلب موافقة أغلبية ثلثي الأعضاء، للتحايل على عدم اكتمال نصاب الحضور، في مخالفة لائحية ودستورية كررها مراراً رئيس المجلس.
كما أقر البرلمان زيادة معاشات العسكريين للمرة السابعة، بحد أقصى 500 جنيه، على الرغم من اقتصار الحد الأقصى للمدنيين على 323 جنيهاً، ما يعد مخالفا لنص المادة 53 من الدستور، التي شددت على أن "المواطنين أمام القانون سواء، لا تمييز بينهم".

لا استجوابات ورفض مناقشة قوانين
خالف البرلمان المادة 241 من الدستور، بعد أن أنهى دور انعقاده الأول، من دون إصدار قانون للعدالة الانتقالية، إذ نصّت المادة على "إصدار القانون في أول دور انعقاد بعد نفاذ الدستور، بحيث يكفل كشف الحقيقة والمحاسبة، واقتراح أطر المصالحة الوطنية، وتعويض الضحايا، وفقاً للمعايير الدولية.
كما خالف مجلس النواب نص المادة 101 من الدستور، بشأن تولي المجلس سلطة التشريع، حين رفض رئيسه مناقشة مشروعين مقدّمين من حزبي المصريين الأحرار والوفد بشأن قانون بناء وترميم الكنائس، وأحالهما بشكل مخالف للدستور، إلى الحكومة لدراستهما أولاً، ثم أقر البرلمان مشروع الحكومة كما جاء من دون تعديل.
كذلك، فإن البرلمان يتباطأ في تنفيذ حكم محكمة النقض، الصادر في يوليو/تموز الماضي، ببطلان عضوية أحمد منصور، وتصعيد البرلماني السابق عمرو الشوبكي بدلاً منه، بعد إعادة المحكمة لفرز أصوات جولة الإعادة في دائرة الدقي والعجوزة في محافظة الجيزة. وخصّت المادة 107 من الدستور، محكمة النقض (الأعلى قضائياً)، بالفصل في صحة عضوية أعضاء مجلس النواب، بعد تقديم الطعون إليها خلال ثلاثين يوماً والفصل فيها خلال ستين يوماً، وبطلان العضوية من تاريخ إبلاغ البرلمان بحكم المحكمة.

ولم تتوقف المخالفات عند ذلك، إذ خالف المجلس المادة 115 من الدستور، بشأن "استمرار دور الانعقاد العادي لمدة تسعة أشهر على الأقل، على أن يفض رئيس الجمهورية دور الانعقاد بعد موافقة المجلس"، إذ فض المجلس دور انعقاده الأول نهاية أغسطس/آب، بعد سبعة أشهر وأحد عشر يوماً فقط، من دون إكمال المدة المحددة دستورياً.
من جهة أخرى، عمد رئيس البرلمان إلى عدم مناقشة 10 استجوابات قدّمها النواب في دور الانعقاد الماضي، بشكل مخالف للمادة 130 من الدستور، التي نصّت على مناقشة الاستجواب بعد 7 أيام من تاريخ تقديمه، وبحد أقصى 60 يوماً، منها 7 استجوابات ضد وزير التموين السابق خالد حنفي، بشأن فساد منظومة القمح، و3 آخرين ضد وزير التعليم الحالي هلالي الشربيني، بشأن تكرار وقائع تسريب الامتحانات.
كذلك تغافل المجلس عن إصدار أغلب القوانين المكملة للدستور، والتي نصّ الأخير على وجوب إصدارها بدور الانعقاد الأول، وفق نصوص المواد 121 و235 و241، والمتعلقة بقوانين "الانتخابات الرئاسية والنيابية والمحلية، والأحزاب السياسية، والسلطة القضائية، والمنظمة للحقوق والحريات".

المساهمون