30 يوم: الاثارة.. بعيداً عن المنطق

30 يوم: الاثارة يعيداً عن المنطق

09 يونيو 2017
آسر ياسين (فيسبوك)
+ الخط -
عام 2013، كتب السيناريست محمد أمين راضي مسلسله الأول "نيران صديقة"، والذي قدم شكلاً مغايراً للإثارة التلفزيونية في مصر، ونجح وقتها في لفت الانتباه بقوة، بالإيقاع المشدود للأحداث والإثارة الدائمة، مما خلق نوعية جديدة من المسلسلات تحاول استنساخ نفس تلك الأجواء الغامضة والغريبة، ومن بين تلك الأعمال مسلسل "30 يوم"، الذي يعرض في رمضان الحالي، من كتابة مصطفى جمال هاشم، في أول أعماله منفرداً. ولا مصادفة، على الأغلب، من كون العمل خرج من شركة "كلوكوورك تيمبتشن" التي أسسها محمد أمين راضي! فالعمل يحمل الكثير من روحه ومنطق كتابته الذي يقوم بالكامل على خلق تشويق وألغاز مستمرة، حتى لو تجاوز ذلك المنطق الدرامي أحياناً، وجعل بعض الشخصيات والأحداث كرتونية في أحيانٍ أخرى.
مسلسل "30 يوم" يبدأ من نقطة وفرضية ممتازة في حلقته الأولى، حين يحضر شخص غامض (يسمي نفسه توفيق المصري) إلى الطبيب النفسي "طارق حلمي"، ويخبره بأن لديه تجربة نفسية يسميها "كيف تقتل شخصاً ويظل على قيد الحياة"، والمقصود هو وضع أحد الأفراد في ظروف نفسية مدمرة ومصائب لا تتوقف لمدة 30 يوماً، وفي كل يوم منها تكون المشكلة التي سيوضع فيها مرتبطة برقم اليوم في حياته، وأثناء ذلك ستتم مراقبة تصرفاته والنسخة التي سيتحول إليها. ويقول "توفيق" لـ "طارق" إنه الشخص المُختار والذي ستتم التجربة عليه بداية من الآن، من يوم 1 نوفمبر وحتى 30 نوفمبر. وعلى هذا الأساس تبدأ حياة الطبيب في الاهتزاز، تُختطف ابنته في الحلقة الأولى، ويتم الكشف عن فيديو جنسي مع زوجته الثانية، ثم خلق مشاكل مع أخواته في الثالثة، وتوريطه في جريمة قتل في اليوم الرابع، وهكذا بتتابع يومي.
إحدى نقاط القوة التي تميز أي عمل إثارة جيد في السينما أو التلفزيون، هي عدم فقدانه للمنطق أو لوي الدراما من أجل أن توافق قصة المؤلف وفرضيته، وهذا هو التحدي الحقيقي الذي يجعل بعض الأعمال تعيش والبعض الآخر ينال تقييمات سيئة من الجمهور والنقاد. وهذا الفارق تحديداً هو ما يفشل فيه مسلسل "30 يوم" منذ حلقته الثانية. فبعد التأسيس الرائع والمبتكر -في المسلسلات المصرية على الأقل- للأحداث، والتي كانت تبشر بعملٍ راقٍ، بدأ الكاتب بعد ذلك في فقدان المنطق تماماً في كل حلقة، من أجل أن تسير الأمور كما يريد. أبرز نقطة توضح ذلك هي شخصية "توفيق" (التي يؤديها باسل خياط ببعض الكاريكاتيرية والتأثر بشخصية "الجوكر")، فهو مطروح كشخص شرير أو على الأقل لديه ثأر مع الطبيب النفسي يرغب في إنهائه، ولكن الطريقة التي يتحرك بها بين كل الأفراد والأشخاص المحيطين بـ "طارق" غير منطقية بالمرة! فجأة يخلق علاقة مع أخته، ويتحدث مع أخيه على الهاتف، ويذهب لزميل زوجة "طارق" الأولى في العمل ويتحدث معه عنها، ويكون صديقاً للمنتج الذي تعمل لديه زوجة "طارق" الثانية، بمكالمة تليفون يدفع أحد الأشخاص إلى الانتحار، وبخطة ساذجة يجعل الزوجة الثانية تقتل! يضع ترتيبات غريبة وغير منطقية تماماً في بعض الأحيان (كدفع الزوجة الأولى إلى زيارة زميلها في العمل)، ولكن الأمور تحدث بشكل محدد وضيق جداً، من دون ثغرة واحدة أو تصرف غير متوقع ومغاير لخطة الشخص الشرير، الذي تتجاوز قدراته هنا الحدود البشرية، ويصبح كأنه قادراً على تحديد تصرّفات الآخرين، ولأن المسلسل لم يطرحه كشخص خارق أو رمزاً للشيطان مثلاً، فإن الإثارة تضعف وتزداد هشاشتها في كل حلقة أكثر من الأخرى، والعمل الذي بدأ مثيراً وشيقاً بالفعل يتحول إلى شيء ممل، لأن خطط الشخص الشرير لم تعد ذكية بعد الآن، هي فقط تسير كما يريدها مؤلف المسلسل!

يزيد من الأمر سوءاً الطريقة التي يتم بها تصميم الشخصيات. فلا يوجد أي عمق أو عناية بالتاريخ الشخصي لأي شخصية. على سبيل المثال في الحلقة الخامسة نكتشف أن "طارق" كان مدمناً منذ 12 عاماً. وفي المشهد نفسه الذي يعود إلى 12 سنة سابقة، يخبرنا طارق أنه على علاقة عاطفية بتغريد (التي تصبح زوجته في ما بعد). وهو ما يعني أنّ طارق وتغريد على علاقة ببعضهما منذ أكثر من 12 عاماً. ثمّ في الحلقة السابعة وعند الحديث عن تغريد نفسها يقول طارق "اليوم هو 7 نوفمبر، وهو تاريخ لقائنا أنا وتغريد منذ 7 سنوات". ببساطة المؤلف (أو المخرج أو الممثلون) لم يراجعوا تفاصيله بتلك البساطة. في درجة عالية من عدم العناية تضرب في صلب شخصيات بلا تاريخ أو انفعالات، فالبطل "طارق"، وبعد مرور 10 حلقات حتى الآن، لا يتغير فيه أي شيء إلا التعبيرات الهيستيرية الزاعقة من الممثل آسر ياسين، ومن دون لحظة درامية واحدة نلمس فيها وطأة وثقل الكوارث التي يمر بها بالفعل! نفس الأمر لبقية الشخصيات من حوله، فالزوجة الأولى تتجاوز (بعد أيام قليلة) رؤيتها لزوجها في شريط جنسي مع زوجة ثانية، والأخ الأصغر ناقم وغاضب دائماً على أخيه من دون سبب، والأخت الساذجة المحافظة تخرج ليلاً مع "توفيق" في ثاني مرة فقط تراه فيها، وهكذا من دون أي بناء حقيقي لأي شخصية، وهو ما يجعل أيضاً أداء الممثلين نمطياً، باستثناء الصورة الكاريكاتيرية المقصودة لباسل خياط. كل تلك الأسباب حوّلت واحدا من أكثر المسلسلات تسلية وجودة في حلقته الأولى، إلى عمل ضعيف في أغلب تفاصيله.




المساهمون