"شيلني يا بابا"... حكاية عائلة أدمتها براميل النظام السوري

"شيلني يا بابا"... حكاية عائلة أدمتها براميل النظام السوري

إسطنبول

جلال بكور

avata
جلال بكور
إسطنبول
19 فبراير 2017
+ الخط -
بينما كانوا جالسين لتناول وجبة الغداء أمام منزلهم تحت أشعة الشمس للحصول على قليل من الدفء الذي حرمهم منه غلاء الأسعار والحصار، سمع طعان صوت المروحية وهي على ارتفاع كبير فوق قرية الهبيط في إدلب، حيث يستأجرون منزلاً منذ نزوحهم من قرية زور الحيص في حماة.


عندها ألقت طائرة النظام السوري البرميل المتفجر وقبل وصوله إلى الأرض، نادى طعان الصطوف على زوجته وأطفاله لكي يدخلوا إلى المنزل للاحتماء، لكنّ الهدف كان المنزل، وسقط البرميل عليه بعد دخول العائلة هربا منه.


ركض طعان باتجاه منزله حيث وقعت الفاجعة، لم يدرِ ماذا يفعل، العائلة كلها مصابة. حمل طفله عبد الباسط، وركض به إلى الخارج، وكان الغبار والدخان يملآن المكان. حمل طفله المبتور الساقين، وركض به ثم وضعه على الأرض ورفع يديه إلى السماء منادياً يا الله، ليعود ويحمل بقية الأسرة، وعبد الباسط يناديه "يا بابا شيلني يا بابا".


هرع طعان الصطوف عائدا إلى المنزل، وإذا بزوجته وابنته قد فارقتا الحياة، بينما ابنته الأخرى مصابة إصابة تبيّن أنها خطرة، كما أصيب صهره وابنته الحامل أيضاً.





يتابع طعان الصطوف الوصف لـ"العربي الجديد"، قائلا: "فقدت امرأتي، لقد طلبها الله، وابنتي ربى عمرها ثلاث سنوات أيضا طلبها الله، أما ابنتي الأخرى حلا عمرها ستّ سنوات فهي الآن في العناية المشددة".







ويضيف: "ابنتي الثالثة عائشة عمرها 17 عاما وهي متزوجة، أصيبت بشظايا ورضوض واضطرت للولادة مبكراً، في حين أصيب زوجها بشظية في العمود الفقري ولا أدري إلى الآن ما مصيره أو حالته، لقد أخبروني أنّه في الطريق إلى هنا".




يجلس طعان صطوف الآن في "مستشفى أنطاكيا الجديد" في مدينة أنطاكية في جنوب تركيا، بعد أن سمحت الحكومة التركية بإسعاف طفله إلى داخل الأراضي التركية، فحالة عبد الباسط مستقرة، وقد خرج اليوم الأحد من غرفة العمليات، أما حالة شقيقته فخطرة وما زالت في العناية المشددة، في انتظار وصول صهره لإجراء عملية إزالة الشظية والاطمئنان على وضعه.


يقول طعّان لـ"العربي الجديد: "لدي أربعة من أفراد أسرتي الآن بالمستشفى هنا، لا أعرف من أتابع وماذا أفعل... ما زلت تائهاً منذ يوم الخميس وكأنّي في كابوس". العبارة التي يكررها أكثر من غيرها: "لله ما أعطى ولله ما أخذ، والحمد لله".





وعند سؤالنا طعان إن كان عبد الباسط يعرف مصير أمه وأختيه، يرد: "إنّه نائم الآن، الحمد لله".



يقول أبو موسى، المشرف على "تجمع دور الجرحى بالريحانية" لـ"العربي الجديد": "من جهتنا، ساعدنا في إدخال الطفل عبد الباسط وأخته حلا، بالتعاون مع منظمتي اي هاها والصليب الأحمر التركي، مباشرة إلى مستشفى أنطاكيا الحكومي". يلفت إلى أنّ حالة الطفل عبد الباسط شبه مستقرة "لكنّ أخته الصغرى مصابة، وإصابة زوج أخته الكبرى بليغة وربما يفقد الحركة".


بدوره، يروي خال الطفل سطوف، زاكي زيدان لـ"العربي الجديد" قصة قصف منزل أسرة طعان المستأجر بقرية الهبيط بإدلب: "رمت الطائرة برميلاً متفجراً على القرية فطلب الأب طعان إلى أولاده الذين كانوا يتناولون وجبة الغداء، أن يختبئوا في المطبخ، لكنّ البرميل الثاني من نوع حاوية، كان أسرع من حركة الأطفال، فسقط عند الباب الخارجي ما أدى لإصابتهم جميعاً".

يتابع: "جاءت سيارات الدفاع المدني وحملت المصابين جميعهم، لكنّ الأم والطفلة توفيتا على الفور، فتم دفنهما من دون أن يراهما الأب أو يعلم عبد الباسط وأخته حلا حتى الآن، وتم إدخال المصابين: عبد الباسط وحلا وعائشة وزوجها على دفعتين إلى تركيا".


يتابع زيدان المرافق لأسرة سطوف في مستشفى أنطاكيا الحكومي، أنّ "عبد الباسط بحاجة لتصحيح البتر وعمليات تجميل وكذا أخته حلا المصابة بساقها اليسرى وشظية بالرأس وهي في العناية المركزة. أما وضع زوج عائشة لم يتم تحديده بعد، لأنّ إصابته بالظهر ربما ينتج عنها شلل". يؤكد، كما الوالد، أنّ عائشة لم تجهض كما قال البعض، بل وضعت مولودتها أمس في المستشفى.


من جهته، يقول مؤسس منظمة "بالميرا" الخيرية محمد عنتابلي لـ"العربي الجديد": "لا توجد إحصاءات دقيقة بسورية، لكنّ التقديرات الدولية والمسح الميداني تؤكد وصول من أصيب بإعاقات دائمة إلى أكثر من 400 ألف سوري حتى الآن، 80 ألفاً منهم في حاجة إلى أطراف صناعية، كما أنّ 30 ألف شخص يتعرضون للإصابات كلّ شهر".


يؤكد عنتابلي أنّ في مدينة غازي عينتاب التركية وحدها 823 حالة بتر فضلاً عن الحالات في أنطاكيا والريحانية والداخل السوري وبلدان اللجوء، مشيراً إلى ارتفاع تكاليف الأطراف الصناعية.


يشير عنتابلي إلى أن منظمة "بالميرا" التي تقدم أطرافاً صناعية للمصابين السوريين وتدعم حالات فردية، تحاول الآن التنسيق مع مراكز الحدود لتوسيع طرق المساعدة وإقامة حملات  توعوية عن طريق إنشاء مركز معلوماتية واحد لذوي الإعاقة لأنّ هول ما يجري بسورية، خصوصاً على صعيد إصابة وإعاقة الأطفال، أكبر من أن تسده منظمة أو أشخاص مهما بلغت إمكاناتهم. ويدعو المجتمع الدولي إلى حماية الأطفال والسوريين بالداخل "لأنّهم يتعرضون لحملات إبادة لم تتوقف منذ أكثر منذ خمس سنوات".


الطفل عبد الباسط ليس أول طفل سوري يفقد جزءاً من جسده، ويحرم من اللعب مع أصدقائه وهو ما زال يرتاد المدرسة في الصف الثالث، بسبب القصف الجوي من الطيران النظامي والروسي. وطعان ليس أول رجل يفقد عائلته بانفجار برميل، وربما لن يكون الأخير.


ذات صلة

الصورة
محمد حبوب.. إعاقة ونزوح بسبب الحرب السورية (عامر السيد علي)

مجتمع

خلفت الحرب السورية مآسي مروعة بكل تفاصيلها، طاولت مدنا وبلدات وعائلات بأكملها، وشكلت تلك المآسي انقلابا في حياة الكثير من السوريين
الصورة
غسان النجار أمين سر نقابة المهندسين في حلب 1980 متحدثا للعربي الجديد (العربي الجديد)

سياسة

واجه نظام الرئيس حافظ الاسد عام 1980 انتفاضة شعبية في مدينة حلب سبقها صراع مسلح مع الطليعة المقاتلة واستغل النظام هذا الصراع للقضاء على اخر صوت للحرية في البلاد
الصورة
الذكرى 7 لتهجير حلب (العربي الجديد).

سياسة

في ذكرى تهجير حلب، نظّم ناشطون سوريون، مساء اليوم الثلاثاء، في مدينة إدلب، ضمن مناطق سيطرة المعارضة السورية شمال غربيّ سورية، وقفة احتجاجية.
الصورة
كفاح ملحم (فيسبوك).

سياسة

أصدر رئيس النظام السوري بشار الأسد، مساء الاثنين، قراراً إدارياً يمدد بموجبه للواء الركن كفاح محمد ملحم في رئاسة شعبة المخابرات العسكرية عاماً أخرى.