"ضرب" الأمثال العربية

"ضرب" الأمثال العربية

28 مارس 2017
"شهادة البنت مطبخها" (باولا برونشتين/ Getty)
+ الخط -
الأمثال جزء أساسي من الثقافة الشعبية. تخلقها البنية الاجتماعية تبعاً لواقع محدد زمنياً وجغرافياً وعلاقات قائمة فيه فرضتها. مع ذلك، قد تنفلت من حدودها الزمنية والمكانية وتعمّم إلى مستويات أبعد حيث تلعب دوراً في التثاقف بين شعوب مختلفة بما تحمله من رموز.

زمنياً، فإنّ الأمثال التي نعرفها عربياً قائمة منذ عهود متفاوتة وقد يكون بعضها معاصراً، فتعريف المثل الشعبي يختلف ما بين الحكمة أو القول الشائع أو الأقصوصة أو الحادثة التي تحمل عبرة ما. وفي كلّ الأحوال تحمل هذه الأمثال مهمة شفوية أساسية في نقل القيم المجتمعية من جيل إلى جيل، بالرغم من تناقض مثل مع مثل آخر في كثير من الأحيان.

ذلك النقل القيمي يحيلنا إلى التربية، خصوصاً في شقيها المرتبطين بالتنشئة الاجتماعية والتعليم، فالأمثال لها رؤيتها الخاصة التي تدعم مواقف الناس تجاه قضية ما، مهما ظهر الموقف بالياً يستند إلى تعصب قد لا يكون هنالك أيّ تبرير له في مجتمعنا الحالي أكثر من كونه ورد في مثل شعبي ربما يعود إلى قرون خلت. هي في النهاية تعبّر عن نتيجة قائمة على تعميم جزء على الكلّ أو خاص على عام، من دون أن تتسم الحادثة الأساسية بالتكرار الاستقرائي حتى. فحادثة واحدة لا غير يمكن أن تخلق مثلاً يخرج عن حدود السيطرة في التعميم على كلّ شيء، ومهما كان ما يخالفه أقوى وأقرب إلى الحقيقة منه قد لا يتمكن من إزاحته عن المكانة التي وصل إليها.

ففي مثل "أكبر منك بيوم أعقل منك بسنة" افتراض مسبق أنّ العمر هو المحدد الأساس للعقل وما يستدعيه من معرفة وتحليل وبداهة وخبرة وغيرها من المحركات. قد يكون ذلك صحيحاً أحياناً لكنّه في كثير من الأحيان غير صحيح. مع ذلك، يحمل المثل قيمة أساسية تحثّ على احترام الأكبر سناً تبعاً لطبيعة المجتمعات القبلية خصوصاً.

أمثال أخرى تبرر الإيذاء وصولاً إلى الإلغاء الكامل. فمثل "الضرب بعلّم الدبّ يرقص" واضح المعاني في الحثّ على اعتماد أسلوب الضرب بهدف التربية والتعليم سواء في المنزل أو في المدرسة. يشبهه مثل "العصا لمن عصى" الذي يختص بالعقاب الذي يمتد بدوره أبعد من المدرسة وصولاً إلى تبرير قمع النظام من يثور عليه - من يعصاه، وقد "أعذر من أنذر" هذا لسان حاله.

أما حال الفتاة في الأمثال العربية فأخطر بكثير، ففي التعليم "شهادة البنت مطبخها". وفي الحياة عامةً لا تحتاج إلى ثورة وعصيان كي ترسّخ الأمثال العربية صورتها السلبية، وبما أنّ "البنت بتجيب العار والمعيار والعدو لباب الدار" فـ "موت البنات من المكرمات"... هكذا ما زال يردد البعض ظلماً، ويقدّم كلامه بـ"المتل ما قال شي كذب".

المساهمون