مغاربة يزخرفون أسقف الجزائر

مغاربة يزخرفون أسقف الجزائر

16 فبراير 2017
يعملون في البناء (فايز نورالدين/ فرانس برس)
+ الخط -

يستعين جزائريّون بعمّال مغاربة يُتقنون فنّ الزخرفة في أعمال البناء. يعود ذلك إلى إتقان مغاربة هذا الفنّ وغيره، وإن كانوا بمعظمهم يعملون بشكل غير قانوني بسبب الحدود المغلقة.

عندما دشّن وزير الشؤون الدينيّة والأوقاف الجزائري، محمد عيسى، مسجداً في منطقة الشراقة في العاصمة الجزائرية، أبدى إعجابه بالإتقان والحرفيّة اللذين ميّزا سقف المسجد. وقد أشار المشرفون على بناء المسجد إلى أنّهم استعانوا بعمّال مغاربة يتقنون تزيين الأسقف وزخرفتها وتبليط الأرضيّات بطريقة جميلة.

وقبل أيّام، نُشر إعلان في إحدى الصحف الجزائريّة عن عمّال يجيدون تبليط الأرضيّات وتزيين الأسقف واستخدام الرخام، وغيرها من الأعمال الفنية. وقد شاعت الاستعانة بعمّال مغاربة لتزيين الأسقف وتبليط الأرضيّات في الجزائر، إذ يُعرف عنهم إتقان هذه الحرفة. وبات عدد كبير من الجزائريّين يستعينون بهم.

محمد من هؤلاء العمّال المغاربة. هذا الشاب الذي قدم من منطقة سيدي البرنوصي القريبة من الدار البيضاء، يرفض الكشف عن اسمه الحقيقي. يقول لـ "العربي الجديد" إنّه وبعض زملائه يقصدون الجزائر للعمل في مجال البناء منذ ثلاث سنوات تقريباً. يضيف: "ورثنا هذه المهنة أباً عن جدّ. ووجدنا أنّ ثمّة فرصاً كثيرة في الجزائر للعمل في هذا المجال. ومع الوقت، راح الجزائريّون يستعينون بنا". ويشير إلى أنّ فريقه يتألّف من ثلاثة عمّال، موضحاً أنّ "كلّ عمل ننجزه في الجزائر سوف يدفع آخرين إلى الاستعانة بنا، خصوصاً إذا كان جميلاً ومتقناً".

ويعدّ القانون الجزائري متشدداً في ما يتعلّق بمنح رخص العمل للأجانب. في هذا السياق، يعترف محمد بأنّه يعمل بطريقة غير قانونية. يقول: "نأتي للعمل لدى مقاولين لتزيين الأسقف وزخرفتها وتبليط الأرضيات. لا نملك رخص عمل، ولسنا مقيمين في الجزائر. لذلك، نضطر إلى المغادرة كلّ 90 يوماً، لنعود من جديد في وقت لاحق".

ويأمل محمد لو كانت الحدود بين البلدَين مفتوحة، حتى يتمكن من التنقل والعمل بحرية. يؤكّد: "نحن أشقّاء، ويمكننا أن نفيد الجزائريّين بما لدينا من خبرات ونأخذ منهم ما لديهم من خبرات كذلك". منذ ديسمبر/ كانون الأول من عام 1995، ما زالت الحدود البريّة مغلقة بين الجزائر والمغرب على خلفيّة النزاع في منطقة الصحراء الغربيّة. وهو واقع دفع عدداً كبيراً من المغاربة إلى التسلّل إلى الأراضي الجزائرية والعمل في ورش البناء والتزيين، ناهيك عن التهريب.




وإذا كان بإمكان الواقع السياسي بين الجزائر والمغرب الناتج عن مشكلة الحدود والصحراء الغربية، أن يؤثّر سلباً على العلاقة بين الجزائريّين والمغاربة، إلا أنّ سمير، وهو صديق محمد، الذي وفد أيضاً من حيّ سيدي البرنوصي بالقرب من الدار البيضاء، يقرّ بأنّه وزملاءه الثلاثة يحظون بمعاملة كريمة من قبل الجزائريين ويحصلون على حقوقهم الماديّة كاملة حين ينتهي عملهم. يقول: "لم يحدث أبداً أن واجهت أيّ مشكلة في الجزائر، ولم أشعر بأنّني في بلد غير بلدي. على عكس ذلك، نحن نعامَل باحترام ونحصل على حقوقنا كاملة. وثمّة أشخاص أكثر كرماً معنا من سواهم". ويلفت إلى أنّ "السياسة هي التي فرّقتنا، وهي التي تضع الحواجز بيننا". يضيف: "أعرف عدداً من العمّال المغاربة من منطقة وجدة والمناطق الحدودية القريبة من الجزائر. هؤلاء يتسللون عبر الحدود للعمل في المدن الجزائرية".

من جهته، يؤكد يوسف كباشي وهو مقاول في مجال البناء، أنّ "العمّال المغاربة المتخصصين يعملون بصورة جيّدة، لذلك يلجأ الناس إلى الاستعانة بهم". يضيف أنّهم "بغالبيتهم يعملون بطريقة غير قانونية، ويحصلون على العمل من خلال وسيط يتولى التفاوض معهم ويحصل على نصيبه بعد نهاية العمل". ويشير إلى أنّ "قوات الأمن أوقفت العمّال ورحّلتهم أكثر من مرة. لكن، حين ترحّل مجموعة، تأتي أخرى".

ربّما أبدت السلطات الجزائريّة تساهلاً مع دخول عمّال مغاربة إلى الجزائر للعمل في مجالات كهذه. لكنّ الظروف الأمنيّة المستجدّة تفرض نفسها وتؤدّي إلى زيادة التشدد. قبل أشهر، أعربت السلطات عن انزعاجها بسبب وضع الرعايا المغاربة في الجزائر، خصوصاً أنّ عدداً كبيراً منهم يتسلّل إلى الجزائر عبر الحدود البريّة المغلقة بحثاً عن عمل.

وطالبت الجزائر السلطات المغربيّة بالعمل على وقف تسلّل رعاياها. وفي يناير/ كانون الثاني الماضي، استدعت وزارة الخارجيّة الجزائريّة السفير المغربي لدى الجزائر عبد الله بلقزيز، لإبلاغه بضرورة لفت نظر الحكومة المغربية جول تسلل رعاياها إلى ليبيا عبر الجزائر. كذلك، تطرّقت إلى التدفق المكثف وغير العادي للرعايا المغاربة، مشيرة إلى أنّ البعض يتوجّه إلى الجارة ليبيا عبر الأراضي الجزائريّة".

وفي شهر سبتمبر/ أيلول الماضي، كان المدير العام للأمن الجزائري قد التقى بلقزيز لبحث ملف التعاون الأمني، خصوصاً تسلّل الرعايا المغاربة إلى الجزائر. في ذلك الوقت، كان الأمن الجزائري قد ألقى القبض على 84 مغربيّاً، اعتقلتهم السلطات الجزائريّة في منطقة تلمسان غرب الجزائر بالقرب من الحدود مع المغرب، بعدما تسلّلوا بطرق غير قانونية.