تمدد روسي في مشاريع الغاز العربية لبسط نفوذ الطاقة

تمدد روسي في مشاريع الغاز العربية ومساعي لبسط النفوذ عبر الطاقة

16 أكتوبر 2017
الشركات الروسية تسعى لكسر العقوبات الغربية (Getty)
+ الخط -
اتخذت شركات الطاقة الروسية خطوات متلاحقة من أجل التمدد في الشرق الأوسط، ولا سيما الدول العربية المطلة على البحر المتوسط، وفي مقدمتها مصر والجزائر، لما تمتلكه هذه الدول من احتياطات هائلة من الغاز، وكونها بوابة إلى أسواق جديدة في جنوب أوروبا وسوق الغاز الطبيعي المسال.
وأبرمت الشركات الروسية صفقات توسعية عبر الاستحواذ على حصص بحقول غاز عملاقة مثلما حدث في مصر، أو توسيع أعمالها القائمة بالفعل في الجزائر، بجانب البحث عن موطئ قدم في المملكة المغربية، لتزيد من رقعة النفوذ الروسي الذي نجح في فرض سطوته على سوق الطاقة العالمية.
ويبدو أن النفوذ السياسي ليس ببعيد عن التحرك الروسي، وفق محللين في مجال الطاقة، مشككين في جدوى الاستثمار في بعض المشاريع، لكن مسؤولين في شركات طاقة كبرى يرون أن هذا التحرك بات مهما لكسر العقوبات الأميركية والأوروبية.

حقل ظهر العملاق
وأصبحت شركة "روس نفط"، ثالث شركة عالمية تحصل على حصة في أكبر حقل غاز مصري بعد "إيني" الإيطالية و"بي بي" البريطانية، بشرائها 30% في حقل "ظهر"، في وقت سابق من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، والذي تزيد الاحتياطات فيه عن 850 مليار متر مكعب.

ووصف إيغور سيتشين، رئيس روس نفط، مشروع "ظهر" بأنه من "مستوى عالمي" وسيعزز مواقف الشركة في المنطقة الواعدة والاستراتيجية، وأيضا تعاونها متبادل المنفعة مع مصر.
ومع ذلك، يشكك ميخائيل كروتيخين، الشريك في شركة "روس إينرجي" للاستشارات، في الجدوى الاقتصادية من دخول "روس نفط" في هذا المشروع، لكونه موجها إلى السوق الداخلية المصرية أكثر منه للتصدير.
ويقول كروتيخين لـ"العربي الجديد": "لا تملك "روس نفط" الخبرة اللازمة لاستثمار حقول الغاز البحرية، ما يعني أنها ستشارك في المشروع كممول، ولن تستفيد منه شيئا باستثناء أداء فعل استعراضي لإظهار نفوذ موسكو في المنطقة".
وحول أسباب شكوكه في الجدوى الاقتصادية من بيع الغاز، يضيف: "يستهدف حقل "ظهر" بالدرجة الأولى تلبية حاجيات مصر المتزايدة من الطاقة، ما يعني أنه سيتم بيع الغاز بأسعار السوق الداخلية المصرية. ومن باب المخاطرة أن تضخ "روس نفط" استثمارات كبيرة في تطوير الحقل، ثم يتعذر عليها تصدير حصتها من الغاز".
ويقلل كروتيخين من احتمال أن تزيد مشاركة روسيا في حقل "ظهر" المصري من نفوذها الجيوسياسي في المنطقة، قائلا: "لا أؤمن بواقعية توسع نفوذ روسيا في الشرق الأوسط على غرار الاتحاد السوفييتي الذي كان ينفق أموالا باهظة لدعم الأحزاب والأنظمة الموالية، بينما لا تتوفر لدى موسكو مثل هذه الإمكانات اليوم".
ويتوقع أليكسي غريفاتش، نائب مدير صندوق أمن الطاقة الوطني بموسكو، ألا يكفي الإنتاج بحقل "ظهر" لتصدير الغاز إلى جنوب أوروبا في ظل زيادة الطلب على الطاقة داخل مصر.
ويقول غريفاتش لـ"العربي الجديد": "سيتم بيع الغاز داخل السوق المصرية بمبدأ القيمة المضافة، ولكنه ليس من الواضح ما إذا كان الغاز سيكفي للتصدير". ويذكّر بأن مصر تحولت في السنوات الماضية من مصدّر للغاز الطبيعي إلى مستورد في ظل زيادة احتياجاتها الداخلية والانفجار السكاني الذي تعيشه وتجاوز عدد سكانها حاجز الـ 100 مليون نسمة.

مشاريع الجزائر
تصدر التعاون في مجال الطاقة جدول أعمال زيارة رئيس الوزراء الروسي، دميتري مدفيديف، إلى الجزائر والمغرب في وقت سابق من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، خاصة أن كبرى شركات الطاقة الروسية لها حضور في السوق الجزائرية.
ورغم أن زيارة مدفيديف إلى الجزائر تمخضت عن التوقيع على مجموعة من اتفاقيات التعاون في مجالات الاقتصاد والتكنولوجيا المتقدمة والطاقة، إلا أن الخبير في شؤون الشرق الأوسط بالمجلس الروسي للشؤون الدولية، سيرغي بالماسوف، يعتبر أنها لا تحمل جديدا وسط استمرار تفوق العلاقات السياسية بين البلدين على التعاون الاقتصادي بينهما.
ويقول بالماسوف لـ"العربي الجديد": "لم تسفر زيارة مدفيديف إلى الجزائر عن التوصل إلى اتفاقات جديدة، والمذكرة الموقعة بين شركتي ترانس نفط الروسية وسوناطراك الجزائرية هي مجرد مذكرة نوايا. كان ذلك معلوما مسبقا، ولم يرافق مدفيديف في زيارته مدير أي شركة طاقة روسية كبرى مثل روس نفط أو غازبروم، وإذا كانت هناك خطة لتوقيع عقود كبيرة، لكان الرئيس فلاديمير بوتين هو الذي توجه إلى الجزائر وليس رئيس حكومته".
وحول العوائق القانونية والاقتصادية أمام توسع شركات الطاقة الروسية في الجزائر، يضيف أن "قانون 51/49 الذي لا يسمح للشركات الأجنبية بامتلاك حصة تزيد على 49% في المشاريع حتى إذا كانت ممولا رئيسيا، يضعها تحت السيطرة الكاملة من الشركاء الجزائريين، وهو أمر ترفضه الشركات الروسية".
ويضيف "هناك أيضا نظام ضرائب غير واضح في أحيان كثيرة، ناهيك عن وجود تساؤلات حول جدوى الاستثمار في قطاع الطاقة أصلا في ظل بقاء أسعار النفط عند مستوى متدن بين 50 و60 دولارا".
ويتابع: "انتهى الزمن السوفييتي، عندما كانت موسكو تبني محطات كهرباء ومصانع للحديد والصلب مقابل مجرد تبني أيديولوجيا الاشتراكية ومقاومة الاستعمار".

ومن بين الشركات الروسية التي لها حضور في سوق الطاقة الجزائرية، عملاق الغاز الروسي "غازبروم"، حيث يتولى منذ عام 2009 أعمال استكشاف الهيدروكربونات في منطقة العسال في حوض بركين، بالإضافة إلى شركة "ستروي ترانس غاز" المنفذة لمجموعة من المشاريع الكبرى في مجال بناء وتحديث أنابيب النفط والغاز، وغيرهما.
وأثناء وجوده في الرباط ، أعرب مدفيديف عن استعداد بلاده لـ"فتح صفحات جديدة" في التعاون مع المغرب في مجال الطاقة، بما فيها الطاقة الذرية ومصادر الطاقة البديلة، وتوريد الغاز الطبيعي المسال.

استقرار أسعار النفط
على الرغم من الشكوك التي تخيّم على جدوى وواقعية توسع روسيا في سوق الطاقة في شمال أفريقيا والمتوسط، إلا أن القيادة الروسية تبدو ناجحة في تنسيق المواقف بين الدول المنتجة للنفط والالتزام بخفض الإنتاج، وتكيف الاقتصاد الروسي مع واقع العقوبات الغربية بسبب الوضع في أوكرانيا.
وأسفر خفض الإنتاج عن استقرار أسعار النفط عند مستويات عالية نسبيا تزيد على 55 دولارا للبرميل. ويصف أليكسي غريفاتش من صندوق أمن الطاقة الوطني، مستوى الأسعار الحالي بأنه "يناسب اللاعبين الرئيسيين في السوق أمثال روسيا والسعودية، ويغطي ميزانتيهما، ولا يحفز الاستثمار في النفط الصخري".
وأعرب وحيد أليكبيروف، رئيس شركة "لوك أويل" (أكبر شركة نفط خاصة في روسيا)، ، عن أمله في استمرار أسعار النفط عند مستوى بين 55 و60 دولارا للبرميل للسنوات العشر المقبلة على الأقل، معتبرا أنها "سترضي المنتجين والمستهلكين على حد سواء".
ووسط تحول العقوبات الغربية إلى واقع اقتصادي جديد، أكد أليكبيروف في حوار مع صحيفة "فاينانشيال تايمز" مؤخرا، أن الاستراتيجية طويلة الأجل لـ"لوك أويل" تنطلق من استمرار العقوبات للسنوات العشر المقبلة.
وبعد إدراكها أن العقوبات الغربية سيطول أمدها، توجهت "روس نفط" منذ نهاية العام الماضي لإقامة شراكات مع دول لم تنضم إلى العقوبات بحق روسيا.

المساهمون