‮‬مكيافيلي‮ ‬يقود الحرب الباردة الثانية‮

‮‬مكيافيلي‮ ‬يقود الحرب الباردة الثانية‮

05 فبراير 2019
+ الخط -
لحظة مكيافيللية‮ ‬يعيشها العالم اليوم،‮ ‬تحت راية الحرب الباردة‮. ‬ذلك هو ما‮ ‬يخرج به من قرأ كتاب‮ الفرنسي،‮ ‬طوماس‮ ‬غومار، "‬ذعر العالم..‬ عشرة ‮رهانات جيواستراتيجية‮".‬ ومعنى اللحظة المكيافيللية هنا ‮‬أن العالم‮ ‬يسير من دون بوصلة،‮ ‬في‮ ‬أجواء عاصفة،‮ ‬تتميز بعودة العنف السياسي‮ ‬والمخاوف الكبرى. 
اللحظة المكيافيللية، كما تحدث عنها صاحب الكتاب، في‮ ‬حوار مطول معه،‮ ‬لفائدة موقع المعهد الفرنسي‮ ‬للعلاقات الدولية‮ (‬إيفري‮)‬،‮ ‬تجعل‮ أن "الشر‮ ‬عاد له سياسيا معنى أكثر من الخير، وأنه،‮ ‬في‮ ‬العلاقات الدولية‮، ‬تتغلب موازين القوة على اليوتوبيات،‮ ‬أو عالم المثل بلغة أهل الفلسفة وعلم الكلام‮".
لحظة تقوي وتكرس القيمة السياسية للكذب،‮ ‬والجهل أحيانا،‮ ‬كما تدل عليه انتخابات تجري‮ ‬أمام العالم،‮ ‬تحت تأثير دول أجنبية أو بفعل الأخبار الزائفة‮ (‬فيك نيوز‮)، ‬أو باستدراج الديمقراطية إلى ضدها،‮ ‬أي‮ إلى ‬الشعبويات المقيتة والهويات القاتلة‮.‬
فصل كبير من هذه الحرب الباردة جرى في‮ ‬منطقتنا العربية،‮ ‬تحت المسميات الجيواسراتيجية‮.‬ ولعل الساحة السورية ‬أحد أنصع تعبيرات هذا العوْد المكيافيللي‮ ‬إلى الحرب الباردة الثانية، إضافة الى ما يجري‮ ‬اليوم في‮ ‬فنزويلا،‮ ‬حيث التقاطبات واضحة وعميقة،‮ ‬بين كتلة تقودها الولايات المتحدة،‮ ‬وتضم دولا‮ ‬غربية بارزة،‮ ‬من جهة‮، وكتلة تقودها روسيا،‮ ‬وتضم الصين إلى جانب إيران وتركيا في‮ ‬المنطقة الشرق أوسطية، من جهة ثانية‮.‬ 
في‮ ‬الشرط السوري،‮ ‬قادت بلاد فلاديمير بوتين‮ "‬حربا محدودة‮"‬،‮ ‬كما‮ ‬يسميها أهل الاختصاص، وسيلة أو واحدةً من أدوات إعادة النظر في‮ ‬النظام الدولي‮، ‬عبر تغيير موازين القوة على الأرض، وإنقاذ نظام بشار الأسد وتقوية موقع إيران،‮ ‬وترتيب اولويات الأنظمة المحيطة‮. ‬والملاحظ ان التدخل الروسي‮ ‬في‮ ‬بلاد الشام‮ ‬سبقته‮ ‬إرادة تدخل في‮ ‬جورجيا وأوكرانيا‮‬،‮ ‬ما وضع موسكو في‮ ‬قلب توازن آسيا الوسطى والقوقاز.
ويستفاد بالفعل من محاور التفكير لدى صاحب‮ "‬عشرة رهانات جيواستراتيجية‮" ‬أننا أمام قوةٍ تهيمن على دائرتها القريبة،‮ ‬وتأثيرها‮ ‬يمتد إلى ما هو أبعد‮. ‬وهو ما‮ ‬يعني‮ ‬ميلاد نزعة تدخلية،‮ ‬أو دورة جيواستراتجية، عنوانها الأبرز التدخل الروسي،‮ ‬تزامنا مع خروج دول غربية عديدة من هذه الدورة،‮ ‬نظرا لاعتبارات كثيرة‮،‮ ‬ليس أقلها تصاعد المد‮ ‬القومي‮ ‬المنغلق،‮ ‬وتآكل الاتحاد الأوروبي،‮ ‬بعد الخروج البريطاني منه (بريكست)، وضعف الثنائي‮ ‬الألماني‮ ‬الفرنسي‮. ‬ويرى ملاحظون‮ أن إرادة بوتين الجديدة تسعى إلى‮ "‬محو‮ رمزي‮ ‬للهزيمة‮ ‬التي‮ ‬لحقت بموسكو في‮ ‬الحرب الباردة الأولى‮".
في‮ ‬الشرط الفنزويلي،‮ ‬لم تكن هناك حاجة إلى ربيع لاتيني،‮ ‬لكي‮ ‬تدخل الحرب الباردة،‮ ‬أو تنقلب مساعي‮ ‬الديمقراطية إلى عسكها، ويفيض المطلب الديمقراطي‮ ‬عن الشعوب والأنظمة، ويتحول إلى لعبة اسراتيجية كبرى‮. ‬في‮ ‬الشرط اللاتيني،‮ ‬لا وجود للأيديولوجيا في‮ ‬الحرب الباردة،‮ ‬إنها حربٌ تتم بلا راية شيوعية،‮ ‬وبدون قاعدة التقسيم الأيديولوجي‮. ‬وكما قال الأستاذ في‮ ‬العلوم السياسية في‮ ‬جامعة باريس الثامنة، توماس بوسادو‮ "‬ثمة أجواء توحي‮ ‬بحرب باردة،‮ ‬لكن تعبئتها الأيديولوجية أقل باشواط‮. ‬ما‮ ‬يمنح هذه الأزمة الفنزويلية خصوصية أنها تتصل بمصالح اقتصادية راهنة‮"‬. ولكن لا تختفي‮ ‬المخاوف والمكيافيللية في‮ ‬‬صراعٍ كهذا‮، على الرغم من الشرط الاقتصادي‮ ‬المهيمن‮، "فموسكو‮ ‬وبكين لن تتخليا عن نيكولاس مادورو‮، ‬رئيس فنزويلا الاشتراكي‮ ‬الذي‮ ‬تعارضه أميركا‮، ما دامت الحملة ضده‮ ‬يقودها منافس لهما على الصعيد الجيوسياسي‮.‬
ولعل وجود دونالد ترامب نفسه رئيسا للولايات المتحدة‮ ‬أحد الأعراض الكبرى لعودة المكيافيللية‮ والحرب الباردة معا‮.
768EA96E-E08E-4A79-B950-D8980EE5911C
عبد الحميد اجماهيري

كاتب وشاعر وصحفي مغربي، مدير تحرير صحيفة الاتحاد المغربية، مواليد 1963، عمل في صحيفتين بالفرنسية، من كتبه "أوفقير .. العائلة والدم.. عن انقلاب 1972"، ترجم كتابا عن معتقل تازمامارت. مسوول في فدرالية الناشرين المغاربة.